[ad_1]

حدثتني سين، قالت: كان يهمّ بالخروج على عجل من باب المنزل، ناولته معطفه الذي كاد ينساه. أعاد تكرار ما طلبه مني ليلة البارحة “الغرفة الكبيرة ما زالت في حاجة إلى المزيد من التنظيف، أريدها فارغة كلياً، يجب أن تبدو واسعة ولائقة!”، اكتفيت بالإجابة دون النظر في عينيه “بالتأكيد، سأهتم بالغرفة كما لو أنها لابنتي!”. التفت إليّ مرتبكاً، رأيت شفتيه تتهيآن للتلفظ بشيءٍ ما، لكنه سرعان ما أغلق الباب خلفه وغادر.

كان عليّ أن أكمل تنظيف غرفة الضيوف التي شهدت البارحة سهرة طويلة لرفاقه، أتوا لوداعه قبل أن يصبح مشغولا عنهم بالزوجة الثانية. نكاتهم التي كانت تضحكهم كانت تغص في قلبي. أصواتهم استطعت تمييزها؛ أبوفلان وأبوفلان وأبوفلان.. أحدهم تحداه أن زيجته هذه “غير شكل” جازماً أن صاحبهم العريس سيغيب عنهم هذه المرة شهراً كاملا، تابع “أيام الزوجة الأولى، غبت أسبوعا فقط، ثم جئتنا تقول مهموماً: الزواج مسؤولية، فضحكنا طويلا هل تذكر؟”، ضحكوا جميعاً، بينما أردف آخر “بالله أخبرنا يا عريس، ما الذي قصدته بكلمة مسؤولية حينها، بينما لم يكن لك بالقصر إلا البارحة العصر؟” أنصت كي لا تغيب عني أيّ كلمة من إجابته “يومها لم أقصد الكلمة بحد ذاتها، لكنني كنت أشعر أنني أينما تحركت، لاحقتني العيون. أعتقد أنني أردت أن أتخذ موقعي بين الرجال الكبار مبكرا ويصبح لي شأن رسمي، فقط هكذا!”. ضحكوا مرة أخرى!

الشأن الرسمي صفة من صفات ارتباطي به، فهو البكر لعائلته، المتعلم، الوقور، الذي تزوّج من فتاة جامعية يصفونها في الحارة بالدلوعة تربية أمّ مدنية وأب لين مثقف، بنت لطالما سميت في عائلتها بالبسكوتة، البسكوتة التي لا تحتمل دعك الحياة.

لم يكن لفاصل الترفيه في صبحية جارات أمي أن يكتمل إلا بالتندر على أصابعي النحيلة البيضاء الطويلة، “كيف ستغسلين ثياب زوجك الخشنة بهذه الأيدي”، “كيف ستبعدين الكراسي والكنب لتنظفي تحتها”، “كيف ستنفضين السجاد وتفركينه وتنظفينه”.. تقول إحداهن بنبرة تتقصد فيها إزعاجي “آخ كم أتشوق لأرى شكل أصابعك وأظافرك بعد الزواج”.

كنت أنظر إليهن بعيوني التي مازالت متورّمة من النوم كما لو أن ما يتحدثن عنه هو من زمن آخر لن يحصل مطلقاً. أتابع استيقاظي غير آبهة بتعليقاتهم، أتجه إلى الحمام، أغسل وجهي ثم أمسحه بقطعة من القطن مبللة بماء الورد، بينما يتابعنَ “خففي من استخدام الماء كي تتمرني على حياة بيتٍ ماؤه قليل، ربما سيحسب زوجك عليك دقائق دخولك الحمام وجريان ماء الحنفية”.

لاحقا، أثناء فترة الخطبة، باتت تعليقات صبحية الجارات تلك مجالا للتندر بيني وبينه. يضحك ضحكة متزنة تنتهي بالصمت، أتابع نظراته باتجاه أصابعي دون أيّ تعليق أو غزل، وأكتفي بها. كانت أمي مندهشة من تعلقي به فتُسِرُّ لوالدي مغتاظة “أكاد أجن من تعلقها به، عيناها لا تمل النظر إلى عينيه”.

لقد تعلقتُ برجل لا يتحدث إلا قليلا، أتابع نظراته مشغولة بتأويلها إلى كلمات حب وغزل.

لم أعترض على خروجه بعد أسبوع واحد من زواجنا للقاء أصدقائه، كنت أعي طبيعة البيئة التي نشأ بها وأن عليه أن يثبت أن الزواج لم يغيّره، وأن المرأة لم تأخذ عقله وأنه ما زال رجلا، كلمته بيده.

أتراه تغير بعد كل هذا الزمن؟ هل تغيرت مفاهيمه لدرجة أن رفاقه يتوقعون أن يمضي شهرا كاملا مع عروسه الثانية؟ أم أنه بات أقل خجلاً من المجتمع ومن رفاقه وسيلازم عروسه الثانية شهرا كاملا؟ أم أن العروس الثانية أجمل مني ويحبها أكثر؟

أتوقف عن نفض الغبار ولمّ فتات المكسرات من على الكنب، أنظر لأصابعي وأبكي. أجلس، أتماسك: لا ليس عليّ أن أبكي، فأنا موافقة على ما يحصل، وكما قال “انا شريكة بقراره في الزواج الثاني!”.

تابعت العمل في المنزل، علي الإسراع، فوالدة العروس ستأتي ظهيرة اليوم لتتفقد غرفة ابنتها، وتقيس طولها وارتفاعها.

كم وددت لو أنني أملك الجرأة وأذكره كيف أنه اشترى غرفة نومنا دون أخذ قياسات، وكيف أنه امتعض عندما همست له في صالة بيع الموبيليا بالتمهل حتى الغد ليتسنى لنا أخذ القياسات، فنهى الأمر جازماً بأنه يعرف جيدا طول وعرض الغرفة وأن الغرفة التي في وسط صالة الموبيليا تلك مناسبة جداً.

فكرة أن نكون معا أثناء شراء غرفة نومنا لم تعن أنني أحببت الغرفة أو وافقت عليها. نفوره من الخشب البني ووصفه له بالمُغِم، كان كافيا لردعي وقبولي بغرفة نوم خشبها مطلي بألوان فاتحة.

أحضرت أم العروس كتالوجا فيه صور أثاث غرف نوم عصرية، كانت تقلب صفحاته وتعاين الغرفة ومدى مناسبتها للقياسات المكتوبة بجانب الصور. التفتَتْ نحو زوجي وعلقت مبتهجة بأن الغرفة واسعة جدا وإطلالتها رائعة، وتتسع لمعظم النماذج التي تفضلها ابنتها؛ “الخشب البني كما تعلم”، تنظر له، كما لو أن محادثة سابقة قد حصلت بهذا الشأن. تمشي في الغرفة جيئة وذهابا واصفة كيف أن ابنتها ستتحكم بلون أثاث غرفة النوم البني ليبدو متجددا “فألوان الستائر الملونة ستمنح الأثاث حيوية، لاسيما أن ضوء الشمس في الصباح سيتخلل لون الدانتيل التركوازي”. يهز العريس رأسه سعيداً بذوقها ويعلق: تعرف كيف تختار! فتضحك أم العروس: “دائماً”.

اشترط زوجي على العروس الجديدة أن تقبل العيش مع الزوجة الأولى والأولاد، متذرعاً أنه لا يريد أن يصبح مشتتا بين بيتين. بعد مناقشاتٍ ووعودٍ كثيرة، قبلتْ هي وعائلتها شرطه ذاك!

حضّرت الشاي وصعدْت الدرج باتجاه غرفة نوم ضرتي بينما رأسي يثقله التفكير باستجابة زوجي اللطيفة لطلبات والدة العروس، غير غائب عن بالي اعتقاد أمي بأن زواج البنت المدللة من رجل ميسور ومتقدم بالسن يوفر لها استقرارا نفسيا أكثر مما لو تزوجت من شاب متوسط الحال يعيش معركة إثبات الذات بين المجتمع والعائلة!

يذكّرني وجه أمي الذي تلاشت ملامحه الدقيقة بسبب المرض بصورة زوجي الوقور التي تتلاشى أمام عينيّ الآن. يبذل كل التنازلات من أجل أن يتم الزواج! يشذّب الرعونة في ردوده، يقلب إجابته، يتمهل في خياره، ينصت للعروس ووالدتها. يستغرقني البحث عن السبب الكامن وراء سلوكه اللين هذا؛ هل هو شعوره بالامتنان لها لأنها أحبته بالرغم من فارق السنين بينهما؟ أم أنه يتفقد في أصابعها الشباب الذي انسل من بين يديه؟

لوحة: يوسف عبدالكي
لوحة: يوسف عبدالكي

كان جميع أولادي وبناتي ممتنعين عن لقاء أم العروس، يقفلون أبواب غرفهم عليهم، غاضبين من كل شيء. يصرون أن ما يحصل ليس سوى ظلم وعنف. حاولت أن أريهم الجانب المضيء من زواج والدهم الثاني إلا أنني فشلت في إقناعهم، فهم لم يعودوا فقط أبنائي وبناتي، بل أبناء السوشيال ميديا أيضاً، يتابعون الكثير من الحملات المضادة للزواج الثاني، ومواقف الرجل (الذكر) التي تنشرها وسائل التواصل الاجتماعي وكيف يتفرد الأب (الذكر) بالقرارات في مجتمعاتنا.

 عندما بدأت معهم حوارا جادا لإقناعهم بضرورة تقبل قرار والدهم بالزواج الثاني، اكتشفت مقدراتهم في النقاش وجدال الفكرة. ثقافة الآخر باتت جزءا من تفكيرهم، مفاهيم مغايرة لما لدينا كليا، مفاهيم تشبه المجتمعات التي أفرزتها.

لجأت إلى تجربتي الشخصية لأثبت لهم أن السياق في مجتمعاتنا مختلف ويفرز اتفاقات وإكراهات مختلفة عن المجتمع الغربي. أخبرتهم أنني تعبت من أن أكون الشخص الأول الذي يتلقى رد فعل الزوج وأهل الزوج، وأنني توصلت إلى نظرية جديدة مفادها “ما بتعرف خيرُه لَتجرب غيره!”، ونظرية “تقاسُم الحِمْل!”، فقد تعبت جداً من الحِمْل وحدي، فأنا لم أكن أعلم أن الزواج عبء كبير، عبء يبدأ بعلاقتي مع زوجي ولا ينتهي مع العيش في مجتمع ناقد. تابعت ممازحة؛ كان عليّ اعتبار أن أصدقاء زوجي هم جزء من الشّيلة أيضاً (ابتسم ابني الكبير ابتسامة ماكرة). وضحت لهم أن الشيلة هنا هي أن زواجي لم يكن زواجا من رجل، بل منه ومن عائلته ومن أصدقائه، ولأضحكهم أكثر قلت لهم: وحاليا أضيفوا على الشيلة أصدقاء الفيسبوك!

منذ البداية، لم تتوافق عائلتي مع عائلة زوجي وهو ما سبب ضغطا على حياتي الزوجية. خلافهم الأول بدأ عندما تم قبولي للتدريس في مدرسة إعدادية مجاورة، احتجَّت عائلة زوجي بجملة “ما الذي ينقصك لتعملي، كل شيء يأتي إليك، معززة في بيت زوجك!” حينها شعر والدي أن كل جهد بذله لأجل تربيتي وتعليمي قد ذهب هباء، إلا أنه لم يستسلم وبقي يأتي لي بين الفينة والأخرى بالكتب والمجلات الثقافية، بحجة أن تلاشي حلم الوظيفة لا يعني النهاية،  فهناك دائماً معركة اسمها الحياة، وعليّ أن أكون واعية دائما لأجندات المتنازعين في تلك المعارك! والدتي كانت مقلّةً جداً بزيارتي، متذرّعةً بأن هناك فروقات بالتفكير بينها وبين والدة زوجي، كما أنها لن تستطيع احتمال رؤيتي ربة بيت فقط. والد زوجي كان يرى أن ابنه يعمل عملا يدر مالا جيدا، وأنّ عمل الزوجة خارج المنزل يشكل عبئا إضافيا على العائلة. ناقشه والدي بأن العمل سيكون سببا لتطوير شخصيتي وتجربتي في الحياة، إلا أن النقاش كان عقيماً. قبولي بقرار زوجي وعائلته هو ما جعلني امرأة تدور في فلك الابن.

بتُّ موظفةً دون مهمات محددة أو راتب، موظفةٌ عليها أن تدير وحدها بيت الزوجية كاملاً، بدءاً من الحمل وإنجاب الأطفال، وليس انتهاء بتربيتهم ورعاية صحتهم وغذائهم ومتابعة تعليمهم في كل مراحلهم العمرية. موظفةٌ عليها أن تكون متقِنة لفنون التواصل الاجتماعي، مضيافةٌ وطباخةٌ ماهرة. موظفةٌ عليها أن ترضي المديرَ الزوج، وكذلك لجنة تفتيشٍ ضخمة قوامها عائلة الزوج الممتدة، وأيّ ملاحظة تطلقها لجنة التفتيش ستؤثر على تعامل المدير الزوج مع الموظفة، ربما لن يحرمها راتبها لأنها لا تناله أساساً، ولكنه يمارس طرق ردع كثيرة تنغص عليها حياتها، من مثل أن يتجاهل وجودها كليا، أن يتجاهل أنها قامت بالاهتمام ببيتها وأطفالها، ويعتبر أمر اهتمامها بالبيت وشؤونه أمرا من نافل القول؛ “واجبها الإلهي وتقوم به”، “أمر غير متعب تقوم به كل النساء في العالم!”، “لا شيء مميز!”. موظفة يردعها مديرها إن خالفته أو اختلفت معه بأن يتجاهل وجودها. يغيّبها، لدرجة أن تتساءل ابنة عمته إن كنا مختلفين؟ فهو يمشي وحده في الشارع، يقوم بزياراته لأقاربه وحده. التجاهل نوع من أنواع الردع للمرأة، وربما شكل من أشكال الهجر الشرعي! تأكل المرأة نفسها، وإن حدث وعبّرت أو طالبت بعدم التجاهل، قلب الزوج وأهله الطاولة بجملة مفادها “لم نقصر بحقك في شيء، تأكلين وتشربين وتلبسين. ثم إن عليك أن تحمدي الله أن ابننا لم يمد يده عليك!”، التجاهل كلمة لا تفهمها إلا النساء.

يتحدث ابني عن عقاب والدهم لهم بالمقاطعة، وأن المقاطعة في ديدن والده قد تطول لأسابيع أو لأشهر. يخبرني أن الغرب يسمّي هذا النوع من العقاب تجاهلاً أيضاً، ولكن الآباء هناك يحرصون على ألا تمتد مدة العقاب لأكثر من دقائق، خوفاً من أن يفقد الطفل ثقته بنفسه، فالأب يغضب من سلوك الطفل وليس من الطفل ذاته! تعلق أخته “ولكن هناك فرق أيضا بين التجاهل هنا وهناك، فالطفل في الغرب يُسمح له بالنقاش والتعبير عن نفسه، كما أن الآباء هناك لا يخجلون من أن يغيروا سلوكهم أو وجهة نظرهم إن اقتنعوا بحجة الطفل أو رده”.

همست لنفسي: الغرب لا يخجل من قول كلمة: أعتذر! أنا لم أسمع هذه الكلمة على مر 22 عاماً! في بعض الأحيان يقطع عقوبة تجاهله لي، فأعتقد أنه تقبل ما فعلته أو أردته، أو ربما راقب سلوكي ورآني قد التزمت بفكرته. في أحيان أخرى يكون تأثير الأصدقاء سببا مباشراً للمبادرة بالتجاهل أو إنهائه. الآخرون يؤثرون جدا عليه.

صادف مرةً أن قال أحد أصدقائه له إن زوجته تنتقي له ألوان لباس فاتحة لأنها تحب أن تراه شابا وسيما، فإذا بزوجي يعلق: الألوان لدى زوجتي ثلاثة، رمادي، وبيج وأسود، فيضحكان مطولا. سيبدو المشهد قد انتهى بالضحك، في الحقيقة المشهد لمّا ينته بعد. ففي صباح اليوم التالي فتح خزانته وسارعتُ لأنتقي له لباسه كما هو حال كل يوم، لباس كنت قد كويته ونظمته مسبقا، فإذا به يتذمر من لباسه. حاولت تهدئة الأمر بأنني سأشتري له لباسا جديدا لأنه ربما بات مملا، تابع “وما الفائدة إن كنت ستجلبين الألوان ذاتها فالألوان لديك رمادي وبيج وأسود”. أجبته أن سبب اختياري لهذه الألوان هو أنه لا يذهب معي ليتسوق لباسه، فهو يكره التسوق، ويكره الدخول إلى غرفة القياس واصفاً إياها بأنها تشبه المعتقلات، صغيرة وخانقة، لذا أشتري له ألوانا حيادية لا مغامرة بها. فإذا بجولة اللوم والتقريع تتسع، لاحقا وصف تلك الجولة بالحوار! جولة الحوار تلك بدأت بتذكيري بأنني لا أحب ذوقه في اختيار الألوان، وأنه سلم الراية إليّ كي لا أتذمر من الألوان التي يختارها، وأنه سمعني أقول مرةً أنْ بشرته لا تناسبها كل الألوان، مما أصابه بالرّهاب، فأنا زوجة متسلطة، تخيفه، تجبره أن يمشي كما تريد.

حاولت أن أعيد الأمر إلى حجمه الطبيعي، وأن المشكلة تكمن بأن لا جلد لديه ليتأمل قطعة اللباس وإيجاد ما يناسبها من قطع وإكسسوارات أخرى.

لم يسمح لي بقول هذه الجملة الأخيرة لأنه كان مستمراً بالصراخ ومظلومية الزواج من امرأةِ الألوان الثلاثة!

بعد أن تجاهلني لفترة من الزمن التقى بصديق آخر، وأثناء جلستهما عبّر صديقه عن إعجابه بأناقته سائلا إياه عن أمكنة تسوقه المفضلة. عندما أجابه زوجي أنه لا يعرف وأن زوجته هي من تشتري له لباسه، فاجأه صديقه بقوله “(الله يهنيكن) لا أذكر أن زوجتي اشترت لي قطعة لباس واحدة، تشتري لنفسها ولأولادها، أما أنا فعليذ أن أسلمها الراتب فقط!”.

عندما عاد إلى البيت وجد أنني اشتريت له قميصا زهريا وبنطالا سماوياً، ابتسم! واعتقدت يومها أن السبب هو شراء اللباس الملون.

أخبرني لاحقا قصة صديقه وكيف أنه لم يصدق أنني ألح على زوجي بضرورة أن يعتني ببشرته فأضع له ماسكات تناسب بشرته، وأشتري له العطور ومعطرات الإبط، بل وأنني أعرف قياسه أكثر منه ذاته.

كل ما يهمني الآن أن يتفهم أبنائي سبب موافقتي، لذا، وقبل زفاف والدهم بليلة واحدة، جمعتهم مرة أخرى، وقلت لهم باختصار: أنا تعبت.. والله تعبت، والدكم رجل تربّى في عائلة محافظة، عالم النساء منفصل فيه عن عالم الرجال، تربّى تربية قاسية، تربية تطالبه بأن يكون رجلا بعين محيطه. إلا أنه بات رجلاً بعيداً عن طريقة تفكير النساء واهتماماتهن أو احتياجاتهن! باتت المرأة بالنسبة إليه مخلوق يعيش على الجانب الآخر. لعل زواجه الثاني سيمكنه من رؤية ذاك الجانب، من رؤية أن اهتمام المرأة بنفسها أمر تحبه وتحب أن يقدّره زوجها ويلاحظه. ربما سيتعلم كيف ينصت إلى ألم المرأة وقت الدورة الشهرية، فيحسب الحساب لتعبها في هذه الفترة ويؤجل عزيمة أصدقائه كي لا تضطر إلى الوقوف ساعات طويلة في المطبخ. ربما مع عروسه الجديدة سيتمرن على احتمال عصبية المرأة قبل الدورة فلا ينعتها بالمجنونة ويهددها بالطلاق.

تعبت من أكون الوحيدة التي تستأذنه لاستقبال صديقاتها، كم أتمنّى ألا يتذمر من اجتماع صديقات زوجته الثانية في البيت فلا ينعت زيارتهن بالاحتلال! بل يقدم الضيافة لصديقاتها ويجلس معهن قليلا ليشعرهن بأنهن مُرحَّب بهن! ستشعر حينها زوجته الثانية أنها ليست طارئا على المنزل، طارئا لا يحق له دعوة آخرين إلى منزله! ربما سيذهب معها إلى أقاربها ويقومان بأدوارهما الاجتماعية معا، وسينتقيان هدايا ابنة عمتها التي ولدت وابن خالتها الذي تزوج.

ربما ستتلاشى وصية أحد أصدقائه “المرأة كالطفل، تستطيع تربيته بالتجاهل! ثم إن عليك إشغاله وإلهاءه وإلا تفرغ لك وبات ينق ويتطلب!”.

لم يعد يهمني أن أكون زوجة جميلة في عين زوجي، يحبني ويقدّرني. تجربة الزواج التي عشتها هذه قد غيرت تفكيري، بت أحمل على عاتقي تحدي التغيير لعادات وعقلية زوج لا ذنب لي معه إلا أنه قد وُلد في هذا المجتمع وأن الحياة لم تُتِح له أن يخرج منه ويرى العالم كيف يسير، إنه التحدي الذي فشلت القيام به وحدي.

أبتسم لأولادي: ألم ترددوا دائما أنكم تريدون أباً (كوووول)؟ أعدكم أن زواجه من الثانية سيكون كما أردتم!

أما أنا فقد تعبت.

[ad_2]

Source link

من sanaanow