أَلَم تَسأَلِ الدارَ الغَداةَ مَتى هِيا
عَدَدتُ لَها مِنَ السَنينَ ثَمانِيا
بِوادِي الظِباءِ فَالسَليلِ تَبَدَّلَت
مِنَ الحَيِّ قَطراً لا يُفِيقُ وَسافِيا
أَرَبَّت عَلَيهِ كُلُّ وَطفَاءَ جَونةٍ
وَأَسحَمَ هَطالٍ يَسُوقُ القَوارِيا
فَلاَ زَالَ يَسقِيهَا ويَسقِي بِلاَدَهَا
مِنَ المَزنِ رِجافٍ يَسوقُ السَواريا
يُسَقّي شَرِيرَ البَحرِ جَوداً تَرُدُّهُ
حَلائبُ قُرحٍ ثِمَّ أَصبَحَ غادِيا
عَهِدتُ بِها الحَيَّ الجَميعَ كَأَنَّهُم
عِظامُ المُلُوكِ عِزَّةً وَتَبَاهِيا
لَهُم مَجلِسٌ غُلبُ الرَقابِ مَراجحٌ
قِدارُ الحِفاظِ يَدفَعُونَ الأَعَادِيا
وَفِتياِن صِدقٍ غيرُ وَخشٍ أُشابَةٍ
مَكاسِيبُ لِلمالِ الطَرِيفِ مَعاطيا
إِذا ظَعَنُوا يَوماً سَمِعتَ خِلالَهُم
غِناءً وَتَأييهاً وَنَقراً وَحادِيا
وَرَنَّةَ هَتّافِ العَشِيِّ مُكَبَّلٍ
يُنازِعُهُ الأَوتارَ مَن لَيسَ رَامِيا
يُنازِعُهُ مِثلُ المَهاةِ رَفِيقَةٌ
بِجَسِّ النَدامى تَترُكُ القَلبَ رانِيا
غَدا فَتَيا دَهرٍ فَمَرّا عَلَيهِمُ
نَهارٌ وَلَيلٌ يَلحَقانِ التَواليا
تَوالِيَ مَن غالَت شَعُوبٌ فَأَصبَحَت
كُلُولُهُمُ تَبكي وَتُبكي البَواكِيا
تذكّرتُ ذِكرىً مِن أُميمةَ بَعدَما
لَقِيتُ عَناءً مِن أُمَيمَةَ عانِيا
فَلا هِيَ تَرضى دُونَ أَمرَدَ ناشِئٍ
وَلا أَستَطِيع أَن أَرُدَّ شَبابِيا
وَقَد طالَ عَهدِي بالشّبابِ وَأَهلِهِ
وَلاقَيتُ رَوعاتٍ يُشِبنَ النَواصِيا
بَدَت فِعلَ ذِي وُدٍّ فَلَمّا تَبِعتُها
توَلَّت وَأَبقَت حاجَتِي في فُؤاديا
وَحَلَّت سَوادَ القَلبِ لا أَنا باغِياً
سِواها وَلا عَن حُبِّها مُتَراخِيا
وَلَو دامَ مِنها وَصلُها ما قَلَيتُها
ولَكِن كَفى بِالهَجرِ لِلحُبِّ شافِيا
وَما رابَها مِن رِيبَةٍ غَيرَ أَنَّها
رَأَت لِمَّتِي شابَت وَشابَ لِداتِيا
تَلُومُ عَلى هُلكِ البَعيرِ ظَعينَتي
وَكُنتُ عَلى لَومِ العَواذِلِ زارِيا
أَلَم تَعلَمي أَنّي رُزِئتُ مُحارِباً
فَما لَكِ مِنهُ اليَومَ شيءٌ وَلا لِيا
وَمِن قَبلِهِ ما قَد رُزِئتُ بِوَحوَحٍ
وَكانَ اِبنَ أُمّي والخَليلَ المُصافِيا
فَتىً كَمُلَت أَخلاقُه غَيرَ أَنَّهُ
جَوادٌ فَما يُبقي مِنَ المالِ باقِيا
فَتىً تَمَّ فِيهِ ما يَسُرُّ صَديقَهُ
عَلى أَنَّ فِيهِ ما يَسُوءُ الأَعاديا
يَقُولُ لِمَن يَلحاهُ في بَذلِ مالِهِ
أَأُنفِقُ أَيّامِي وَأَترُكُ مالِيا
يُدِرُّ العُروقَ بالسِنانِ وَيَشتَري
مِنَ الحَمدِ ما يَبقَى وَإِن كانَ غالِيا
أَشَمُّ طَوِيلُ السَاعِدَينِ سَمَيدَعٌ
إِذا لَم يَرُح لِلمَجدِ أَصبَحَ غادِيا
أُتِيحَت لَهُ وَالغَمُّ يَحتَضِرُ الفَتى
وَمِن حاجَةِ الإِنسانِ ما لَيسَ لاَقِيا
كَفَينا بَني كَعبٍ فَلَم نَر عِندَهُم
لِما كانَ إِلاَّ ما جَزى اللَهُ جازِيا
وَيَومَ النُّخَيلِ إِذ أَتَينا نِساءَكم
حَواسِرَ يَركُضنَ الجِمالَ المَذاكِيا
وَيَومٍ شَدِيدٍ غَيرِ ذِي مُتَنَفَّسٍ
أَصَمَّ عَلى مَن كانَ يُحسَبُ راقِيا
كَأَنَّ زَفِيرَ القَومِ مِن خَوفِ شَرِّهِ
وَقَد بَلَغَت مِنهُ النُفُوسُ التَراقِيا
زَفِيرُ مُتَمٍّ بالمُشَيَّأِ طَرَّقَت
بِكاهِلِهِ فَلا يَرِيمُ المَلاقِيا
سَنُورِثُكُم إِنَّ التُراثَ إِليكُمُ
حبِيبٌ قُراراتِ النَجا فَالمغالِيا
وَماءً مِنَ الأَفلاجِ مُرّاً وغُدَّةً
وَذِئباً إِذا ما جَنَّهُ الليلُ عادِيا
وَأَطواءَنا مِن بَطنِ أَكمَةَ إِنَّكُم
جَشِمتُم إِلى أَربابِهِنَّ الدَواهِيا
وَلَو أَنَّ قَومي لَم تَخُنّي جُدُودُهُم
وَأَحلامُهُم أَصبَحتُ للفَتقِ آسِيا
وَلكنَّ قَومي أَصبَحُوا مِثلَ خَيبَرٍ
بِها داؤُها وَلاَ تَضُرُّ الأَعادِيا
فَلاَ تَنتَهِي أَضغانُ قَومي بَينَهُم
وَسَوآتُهُم حَتّى يَصِيرُوا مَواليا
مَوالِيَ حِلفٍ لا مَوالِي قَرابَةٍ
وَلكِن قَطِيناً يَسأَلُونَ الأَتاوِيا
فَلَم أَجِدِ الإِخوانَ إِلاَّ صَحابَةً
وَلَم أَجِدِ الأَهلِينَ إِلاَّ مَثاوِيا
وَكانَت قُشَيرٌٌ شامِتاً بِصَديقِها
وآخَرَ مَزرِيّاً عَلَيهِا وَزارِيا
وَلكِن أَخُو العَلياءِ والجُودِ مالِكٌ
أَقَامَ عَلى عَهدِ النَوى وَالتَصافِيا
فَأَصبَحَتِ الثَيرانُ غَرقَى وَأَصبَحَت
نِساءُ تَمِيمٍ يَلتَقِطنَ الصَياصِيا
لَهُ نَضَدٌ بِالَغورِ غَورِ تِهامَةٍ
يُجاوِبُ بِالرَعشاءِ جَوناً يمانِيا
فَأَصبَحَ بِالقِمرى يَجُرُّ عَفاءَهُ
بَهِيماً كَلَونِ الليلِ أَسوَدَ داجِيا
فَلَمّا دَنا للخرجِ خرجِ عُنَيزَةٍ
وَذِي بَقَرٍ أَلقى بِهِنَّ المَراسيا
لَها بَعدَ إِسنادِ الكَلِيمِ وهَدئِهِ
وَرَنّةِ مَن يَبكي إِذَا كانَ باكيا
هَدِيرٌ هَدِيرَ الثورِ يَنفُضُ رَأسَهُ
يَذُبُّ بِرَوقَيهِ الكِلابَ الصَوارِيا
وَمِثلُ الدُمى شُمُّ العَرانِينِ ساكِنٌ
بِهِنَّ الحَياءُ لا يُشِعنَ التَّقافِيا
أَلا أَبلِغا عَوفاً وَصاحِبَ رَحلِهِ
ومَن يَغوِ لا يَعدَم عَلى الغيِّ لا حيا
فَأَيّتُمَا عَينِ بَكَت إِن هَلَكتُما
فَلا رَقَأَت حَتّى تَمُوتَ كَما هيا
وَما شَكِسُ الأَنيابِ شَثنٌ بَنانُهُ
مِنَ الأُسدِ يَحمي مِن تِهامَة وادِيا
إِذَا ما رَأى قِرناً مَدِلاًّ هَوى لَهث
جَرِيئاً عَلى الأَقرانِ أَغضَفَ ضارِيا
فَلَيسَ بِمَسبَوقٍ بَشَيءِ أَرادَهُ
وَلَيسَ بِمَغلُوبٍ وَلَيسَ مُفادِيا
بِأَعظَمَ مِنهُ في الرِجالِ مَهابَةً
وَآَخَرَ مَعدُوّاً عَلَيهِ وَعادِيا
فَلاَ يُبعِدَنكَ اللَهُ إِن كانَ حادِثٌ
أَصابَكَ عَنّا نازِحَ الدارِ نائِيا
وَلكِن جَزاكَ اللَهُ حَيَّاً وَهالِكاً
عَلى كُلِّ حالٍ خيرَ ما كانَ جازيا
فَلَم يَبقَ مِن تِلكَ الديارِ وَأَهلِها
سُرَى الليلِ والأَيّامِ إِلاَّ مَغانيا
إِذا أَتَيا حَيّاً كِراماً بِغِبطَةٍ
أَناخا بِهِم حَتّى يُلاقُوا الدَواهِيا

المصدر :بوابة الشعراء

من sanaanow

اترك تعليقاً