[ad_1]

«دار قنبز»: أمسيات متنوعة في حضن بيروت

أطلقت نسختها الثانية من «يا أهل الدار»


الأحد – 15 جمادى الأولى 1443 هـ – 19 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [
15727]


مؤسستا «دار قنبز» نادين توما (يسار) وسيفين عريس – من أعمال الدار

بيروت: فاطمة عبد الله

بروح محبة للأدب والحياة ووسط ظروف بالغة القسوة، لا خيار أمام الشريكتين المؤسستين لـ«دار قنبز» الرائدة في مجال أدب الطفل، نادين توما وسيفين عريس، سوى الإصرار على المحاولة. فلم يحبطهما وباء «كوفيد»، بعزلته ومخاوفه التي فرضها على العالم، وأصابه بالرعب والشلل. بل وجدتا في هذا الرعب امتحاناً للعبور والتصدي، كامتحان هذه الأيام اللبنانية المريرة والإصرار على تجاوزها.
وسط هذه الظروف وفي مفارقة لافتة أطلقت الدار، السبت، النسخة الثانية من النشاط الثقافي التراثي البيروتي «يا أهل الدار» التي تستمر حتى 23 ديسمبر (كانون الأول). هذا الحفر العنيد في الظلمات؛ هل هو استجابة لنداء الضوء، أم نكران أم هروب. تحسم نادين توما الأمر بتعليقها الفوري: «أبداً! هو قرار بالصمود».
«يا أهل الدار» لقاء تمتزج فيه الموسيقى بالتراث والتاريخ. وهو احتفالية خرجت من رحم «دار قنبز» بشكل فريد من نوعه بين دور النشر في لبنان. تسميها نادين توما: «مبادرة حب»، وهي احتضان عاطفي لحرفيين وموسيقيين ومهتمين بالتاريخ والتراث، وتقول: «لسنا ننظم معرضاً غايته الربح المادي، ولا نبحث عن كسب المال. لدينا معارف من أهل التصميم والحرفيين والخلاقين في مجالاتهم، فوجدتُ وشريكتي سيفين عريس جدوى ثقافية ومعنوية في جمعهما تحت سقف دافئ. لاقت النسخة الأولى من النشاط استحسان الناس، والتم حولها مهتمون من كل الأعمار والطبقات الاجتماعية. صحيح أن المسار اللبناني إلى تدهور مخيف، لكننا لا نريد للمدينة الصمت. زحمتها الثقافية بهجة الروح».
منذ ولادة «دار قنبز» في الأول من مايو (أيار) 2006، عيد العمال، ولا تمل الشريكتان من المحافظة على نوستالغيا التراث ولملمة ما له علاقة بالهوية واللغة العربية لتنميتها داخل الطفل. برأي توما، «ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، فإقامتنا لـ(يا أهل الدار) هو لغرض الالتقاء وهدم الفوارق البشرية، سواء من ناحية المنطقة أو الطبقة أو المذاهب. لقاءات للفن وفتح الأبواب».
أمسيات موسيقية وثقافية تتعمد التنوع في حضن بيروت: زجل وشرقي وجاز وطرب وبوب، واحتفال ثقافي يحاكي التصميم وفن الزراعة والصناعة والتاريخ والطبخ. تريد «دار قنبز» مصالحة المستهلك مع مفهوم الاستهلاك، فلا يكون ساذجاً وسطحياً، بل يسعى خلف الجمالية المتناسقة مع القيمة والذوق.
الشريكتان منهمكتان دائماً، لا تهدأ الأحلام ولا تستكين الأفكار الإبداعية. كمن يسرد روائع العمر، تتحدث نادين توما عن إنجازات الدار وتطلعاتها المستقبلية برغم الضباب. تسمي «مجلة قنبز»: «المحارِبة»، وفي الحقيقة، هو اللقب الذي تطلقه على نفسها. تتناول المجلة 33 موضوعاً تتنوع بين الفن والهندسة والتاريخ والجغرافيا والفيزياء وغيرها، وتفاخر بأنها صناعة الدار، لا ترجمات ولا معلومات مُستعارة. كفخرها بمشروع «المدوار»، الذي تقول إنه «من اختراع الدار، وهو بمثابة آلة حاسبة لغوية، يتألف من مدوار المكان والزمان والآلة، ومدوار الحروف الشمسية والقمرية»…
ومن مشاريع «دار قنبز» العزيزة على نادين توما، «حكايات وألعاب» مع نجلا جريصاتي خوري التي تسميها «الإرث والكنز، في لبنان والمنطقة». للباحثة خمسة كتب ترفع الدار بها الرأس لناحية إخراجها البصري الغني. وأيضاً، يجري الاستعداد لإصدار كتب جديدة، تضاف إلى «أصوات الأبجدية»، ومشاريع أخرى منها «مدينة مجاورة للأرض» وفيلم لسيفين عريس مع رسوم متسلسلة للكبار. لا تختبئ توما خلف إصبعها، فهي تعلم أن وتيرة العمل تتباطأ، لكنها تركز على الجوانب المشعة: «نحن موجودون ومنتجون».
شكّل «كوفيد» نقطة تحول تلقفتها الصبية النشيطة بقلب مُتسع، فتخبرنا عن تطويع الظروف: «انتقلنا من الوجود الجسدي الذي نصر عليه في العروض، إلى الوجود الافتراضي. فيما كثر عانوا الاختناق والانغلاق، كانت الدار تقيم عبر (الأونلاين) لحظات التقاء حميمة جميلة طوال فترة العزل». من المبكر بالنسبة إليها إعلان موت مسألة ما أو ولادة مسألة أخرى: «هذا تسرع، وأرفض رثاء المشهد الثقافي البيروتي أو إعلان موت لبنان. الوقت الآن للصمود».
لا تفرط برسالة الدار المتعلقة بالحفاظ على اللغة العربية وتطوير أدواتها، فتكون لغة حية للجيل الجديد المنجرف نحو لغات أجنبية بديلة، فتقول: «نطور الطرح داخل الموضوع، فنجعله على صلة بمواكبة التعليم الحديث. نطرح الأسئلة ونبحث عن حلول. همنا ترغيب الأطفال باللغة العربية بعيداً عن المناهج المدرسية الجافة».
تتداخل موسيقى سيفين عريس في كل العروض، ويُسمع عزفها من الغرفة الداخلية لمبنى الدار، حيث السكينة تنشط صفاء الفكر. هذه الدار التي تعتبرها الشريكتان «الملجأ والحب»، فترفضان المقايضة على مستواها، ومع ذلك لا ترفعان أسعار الكتب مراعاة للأحوال. اليوم أكثر من قبل، تشدد توما: «نرفض التنازلات المهنية مهما عصف الزمن. الاستهلاكي خيار سهل، لكننا نميل إلى الشقاء اللذيذ. قوتنا هي الإيمان بالحب والتضامن ومشاركة العقل الإبداعي».
يربكها سؤال أخير عن علاقتها ببيروت ووجعها المنتفخ منذ الانفجار. هي ممن يحبون المدينة بعزها وانكسارها، ويرون في ناسها ملاذاً للقوة والاستمرارية. ليست ممن ينعون المدن ويجيدون رثاءها، بل من الباحثين فيها عن نور: «مبانٍ تراثية كانت مهددة بالانهيار، تُعمر من جديد. ونشاطات تعود إلى الحياة. ماذا سينفع إن واصلنا النواح؟ أليس الأجدى البناء بالإبداع والعمل؟ قدرنا النهوض والوقوف».



لبنان


Art



[ad_2]

Source link

من sanaanow