[ad_1]

استفاد من التراث الشعبي وحكايات «ألف ليلة وليلة»

تسعى الباحثة المصرية الدكتورة هبة محمد عبد الفتاح، في كتابها «تجليات القص في أدب الطفل عند يعقوب الشاروني» إلى استجلاء ملامح التميز والإبداع الأدبي من خلال قراءة تحليلية في نماذج من أعماله القصصية.

وكذلك، يستعرض الكتاب الذي صدر حديثاً عن المركز القومي للطفل بالقاهرة، عبر عشرة فصول ملامح من حياة يعقوب الشاروني، وأهم المحطات التي لعبت دوراً في تشكيل موهبته منذ الصغر. وترى المؤلفة أن الشاروني ككاتب لأدب الطفل ورائد من رواده، كان صاحب رسالة ورؤية في نتاجه الأدبي، وإبداعه القصصي، شكل من خلالها وعي أجيال عديدة، وأسهم في إثراء خيالهم ووجدانهم. وقد تركزت دراستها على الخطاب الحكائي لديه والتأمل العميق في موضوعاته، من خلال تحليل بنية قصصه السردية، وعناصرها الفنية والجمالية، باعتبار أنها تمثل حقلاً متميزاً من حقول الكتابة الأدبية بوجه عام، والكتابة للطفل بوجه خاص.

التحليل والبناء

ولأن النص الموجه للطفل هو نص روائي في الأساس، سعت الباحثة باستخدام المنهج الوصفي والعرض التحليلي والنظريات النقدية الحديثة ومباحث علم السرد، لاستخلاص دلالات النصوص القصصية عند الشاروني وصور تشكلها، من أجل إعادة اكتشاف مداخل جديدة في قراءتها تسهم في إثراء حركة الدارسات النقدية في أدب الأطفال.

وركزت في الكتاب على محورين أساسيين، الأول انصب على «تحليل البناء الموضوعي لقص يعقوب الشاروني» واستهدفت من خلاله مقاربة نصوصه لاكتشاف مضامينها وأبعادها الموضوعية، وما تتضمنه من رسائل موجهة وضعت الطفل في بؤرة اهتمامها بغية تقديم المتعة والفائدة له، في إطار من الفهم العميق له ولمشكلاته واحتياجاته.

أما المحور الثاني فسعت الباحثة من خلال فصوله إلى «تحليل البناء الفني لقصص الشاروني»، وتناولت خلاله عناصر بناء القصص وهيكلها السردي، إضافة إلى السمات والعناصر الجمالية التي استطاع الشاروني توظيفها بعناية في القص، فأثرت النصوص، وشكلت تأثيراتها على وجدان الأطفال، وقد حددت الباحثة بهذه الرؤية منهجية الكتاب في السعي نحو تحليل النسيج القصصي للشاروني موضوعياً وفنياً، لاستخلاص ملامح تميزه ووجوه إبداعه وتفرده.

رسائل متنوعة

في الباب الأول الذي جاء بعنوان «البناء الموضوعي»، قامت الباحثة باستقصاء وتحليل رسائل يعقوب الشاروني الموجهة في نصوصه السردية، التي تناول من خلالها موضوعات وقضايا تهم الطفل، وتتعلق به في الدرجة الأولى، ويشتمل هذا الباب على خمسة فصول تتعلق بالبعد الإنساني، والاجتماعي، والقيمي، والمعرفي، والعقلي.

أما الباب الثاني، فيختص بـ«البناء الفني» ويشكل القسم الثاني من الكتاب، ويعنى بتحليل عناصر البناء السردي والفني لقصص وروايات يعقوب الشاروني، وقامت الباحثة بتقسيمه قسمين، الأول يتعلق بـ«البنيات السردية» وتضمن أربعة فصول الراوي، وخطوط السرد، والشخوص، والمكان والزمان.

أما القسم الثاني الذي جاء بعنوان «التشكيلات الجمالية»، فقامت الباحثة من خلال فصوله بالبحث في عناصر الحس الشعبي، واعتماد المخيلة، وتوظيف ملكات القصور، والمؤثرات الحسية، والدلالات والرموز، وجمال الشكل والإخراج.

وسعت الباحثة خلال دراسة «البناء الموضوعي» للنصوص السردية التي اختارتها، للوقوف عند القضايا والمضامين التي تمثل ركائز محورية دار حولها واعتمد عليها قص الشاروني، منها ما هو ذو بعد إنساني تجلى في اقترابه من طبائع النفس البشرية وأحوالها العاطفية المختلفة ونوازعها النفسية، فقدم للطفل في قصصه صوراً ونماذج لمشاعر وأحاسيس يري فيها نفسه والآخرين من خلال عالمه.

أما عن البعد الاجتماعي، فقد سعى الشاروني من خلاله، كما تذكر الكاتبة، إلى عكس المشكلات التي يعاني منها الأطفال وتسليط الضوء على قضاياهم الاجتماعية في ظل واقع يعاني الفقر والجهل والمرض، كما تطرق في قصه لأبعاد قيمية دارت حول محور الأخلاق والمثل العليا، وأخرى معرفية وعقلية، كما قدم أنواعاً من المعارف والخبرات والثقافات، وكذلك أساليب التفكير العلمي الصحيحة، التي حرص على تضمينها نصوصه وجعلها مفتاحاً لفهمها وإدراكها، سعياً منه تنمية إدراك الطفل، واستخدام عقله في المشكلات التي يواجهها.

البعد الإنساني

وأشارت الباحثة إلى أن البُعد الإنساني يتشكل في إبداعات الشاروني من خلال تركيزه على ملامح النفس الإنسانية التي يبلورها، ويسلط عليها الضوء للتعرف على أحوالها وحالاتها، سواء من خلال «الطفل» نفسه كبطل رئيسي، أو من خلال الأبطال الآخرين كنماذج بشرية يطرحها الكاتب ويشكلها في منظومة فنية تحاكي الواقع وتستلهمه. ومن تلك الحالات النفسية التي تصور المشاعر الإنسانية، ومنها حالة الحب. ففي قصة «مغامرة زهرة مع الشجرة» تتمثل حالة الحب بقوة في أطفال في عمر الزهور تقودهم فتاة تسمى زهرة، التفوا حول شجرة الكافور الكائنة أمام باب مدرستهم لمنع مجموعة من الفاسدين من قطعها دون مبرر أو سبب منطقي.

وفي رواية «وحش الشوك الأزرق» حالة أخرى للحب نستخلصها هذه المرة من عالم الكبار، حيث «الشابة ذات الجنسية الإنجليزية كلارا تتعرض لحادث غوص في مياه البحر الأحمر، فيتمكن قائد الغطس المصري كابتن مراد من إنقاذها معرضاً حياته للخطر، وعندما يذهب سليمان ماركو مرقص قائد السفينة لإنقاذ مراد يتعرض هو الآخر للخطر، ولكن بعد أن ينقذ صديقة مراد الذي يقول عنه في لهجة يشوبها العرفان والحب، لولا هذا الرجل، وما يفيض به قلبه من تعاطف، لكانت حياتي قد انطوت بين طرفي منقار».

عالم الكبار والصغار

ومن صور التواصل في قص الشاروني، تلك العلاقات الإنسانية الرحبة المؤثرة التي بثها بحس مرهف بين عالمي الصغار والكبار في شخصياته، فجاءت لتؤكد تلك النزعة العاطفية التي اتسم بها فنه. ويتضح ذلك في قصة «البداية مع قطعة شيكولاته»، حيث يبرز من العنوان ذلك المعنى الدلالي المؤثر الذي يشير لارتباطات تعاطفية وتآزارت تتسامى فيها معاني العطاء والخير، وتصور قصة «حكاية طارق وعلاء» تواصلاً من نوع آخر بين زميلين أحدهما من ذوي الاحتياجات الخاصة، ورغم ذلك فكل منهما يؤثر في الآخر بطريقته، فطارق رغم إعاقته يعلم علاء كيف يرسم، كما أن علاء يساعد طارق في ربط حذائه وتثبيت أزرار قميصه. وتدعم القصة التواصل مع هؤلاء الأطفال، فهم وإن كانوا يختلفون في أشياء، فإنهم يتميزون ويتفوقون في أشياء أخرى كثيرة، كما أنهم يشعرون بالمحبة ويمنحونها أيضاً بطريقتهم الخاصة.

وترى الباحثة أن الشاروني استفاد جيداً من التراث الشعبي وحكايات ألف ليلة وليلة، واستلهم عناصرها في صور جديدة مليئة بالإثارة والبهجة والمواكبة لروح العصر، مع الحرص على أن يستمد الطفل منها القيمة والمعلومة، كما تميزت قصصه حسب رأيها بالمزج السليم بين عالمي الصغار والكبار.




[ad_2]

Source link

من sanaanow