[ad_1]

بشرى خلفان: أشتغل على الماضي كي أعيد للمكان تاريخه المُغْفل

الكاتبة العمانية المهمومة بتاريخ المهمشين والبسطاء في مسقط


الثلاثاء – 17 ذو الحجة 1442 هـ – 27 يوليو 2021 مـ رقم العدد [
15582]


بشرى خلفان

القاهرة: رشا أحمد

تنشغل الكاتبة العمانية بشرى خلفان بمغامرة الكتابة عن تاريخ المهمشين والبسطاء في مدينة مسقط، وسرد سيرهم المسكوت عنها في السرديات التاريخية الرسمية، وهو ما برزت ملامحه بشكل لافت في روايتيها «الباغ» و«دلشاد»، وفي فضاء مجموعاتها القصصية.
هنا حوار معها… حول هذا المسعى لإعادة كتابة تاريخ البسطاء، وماذا يمثل لها على المستوى الإنساني وفكرة الكتاب نفسها.
> في روايتك «دلشاد»، توقف كثيرون عند العنوان الذي يشير إلى اسم الشخصية الرئيسية في العمل. هل ثمة دلالة خاصة له؟
– في اللغات المشتقة من الأصل الإيراني، ومنها البلوشية والكردية والفارسية، تستخدم كلمة أو اسم «دلشاد»، والتي تنقسم إلى قسمين، «دِل» بكسر الدال وتعني القلب، و«تشاد» وتعني الفرح. في السياق الروائي كاملاً، بني النص على رجل ذي قلب فرح، يستبدل أحاسيسه عندما تلتبس عليه بالضحك، وهذا ما أورثه لبناته. من هنا فإن اختيار اسم دلشاد سواء للشخصية الرئيسية، أو كعنوان للرواية، هو اختيار طبيعي، جاء من فكرة النص وحمولة المفارقات التي يحملها في ثناياه.
> لماذا يبدو التاريخ غير الرسمي لسلطنة عمان وأبطاله من المهمشين كأنه يشكل هاجساً لديك؟
– هو هاجس بالطبع، أنا بنت المكان وأهله أهلي، وتاريخ البسطاء هذا تاريخي، الذي أنا معنية بسرده، وأعرف من التفاصيل المحكية والمكتوبة، رغم شح المصادر وندرتها، أكثر بكثير مما يعرضه التاريخ الرسمي. والحقيقة أن كتابة التاريخ انشغلت لقرون عديدة بهذه الإشكالية، رواية التاريخ الرسمي، في مقابل تجاهل سرد تاريخ البسطاء.
عموماً فإن الرواية التاريخية كما أراها هي أقرب لما رآه الناقد والمنظر جورج لوكاش «1885 – 1971» عندما قال في كتابه «الرواية التاريخية»: «إن ما يهم في الرواية التاريخية ليس إعادة سرد الأحداث الكبيرة، بل الإيقاظ الشعري للناس الذين برزوا في تلك الأحداث، وأن نعيش مرة أخرى الدوافع الاجتماعية والإنسانية التي أدت بهم إلى أن يفكروا ويشعروا ويتصرفوا كما فعلوا في الواقع التاريخي»، والناس عندي هنا هم البسطاء، الذين حركوا عجلة التاريخ ثم تغافل عنهم.
> هل تشكل مسقط القديمة، المتوارية خلف التاريخ، بجبالها المهيبة وبيوتها البيضاء الصغيرة منبعاً لحنين لا ينضب لديك، كما يبدو، فجاءت الكثير من مقاطع الرواية لتعبر عنه؟
– لا أعرف إن كان حنيناً لمسقط التي أعرفها، أو أنه تمرد على مسقط التي أراها الآن، مسقط التي انمحت معالمها الأصيلة، ولم يبق منها كلها إلا قلعتان وقصر وذاكرة مدرسة، مسقط التي هجرها أهلها، وصارت حاراتها تأوي جاليات شتى، مسقط التي أمضي فيها محاولة تتبع خطواتي، ثم أجدني تائهة بين ما أعرفه وما لا أعرفه ولا أستطيع الاستدلال عليه.
نعم أنا أستعيد الماضي، ولكني أشتغل عليه كي أعيد للمكان تاريخه المُغْفل، الذي لا يعرفه الكثيرون، فمسقط اليوم الكبرى الممتدة، ليست هي مسقط التي أعنيها في كتابتي والتي تخصني، هي مكان صغير للغاية، مساحة جغرافية محدودة، مدينة يصح أن نقول إنها كانت مدينة «كوزموبوليتانية» في وقت ما، ضمت أعراقاً مختلفة، تعايش أهلها بسلام على اختلاف ثقافاتهم، وإن هذه الثقافات المتعددة لم تجد نصيبها في السرديات الرسمية. أنا معنية بهذا الذي لم يقل، معنية في حنيني باسترجاع المكان الذي أعرفه، من تحت أنقاض الروايات الرسمية، التي ربما لم تمح ولم تُقص، لكنها فقط لم تقل.
> رغم الانطباع السائد عن سلطنة عمان بأنها بلاد رفاهية فإن معظم الأعمال الصادرة عنها ترصد تاريخاً مسكوتاً عنه من المعاناة بل الجوع والفقر أحياناً، كيف ترين تلك المفارقة؟
– هذه هي المفارقة نفسها التي يحملها العنوان «دلشاد»، فهذا القلب الفرح، الذي من اسمه، وربما من الصفحات الأولى، يتوهم القارئ أنه سيحمل سمات قلب فرح، سعيد، مترف، وبلا مشكلات تؤرقه، هو مجرد انعكاس لهذه المفارقة، بين ظلال الصورة وإشكالية الأصل.
فالخليج الذي يُعرف برفاهيته، هو خليج حديث جداً في سياق التاريخ، هو خليج حقبة ما بعد النفط، أما الخليج، وعلى وجه أخص عمان، فلم تَعرف الرفاهية يوماً، فكل تاريخها، هو صراع مع التضاريس القاسية والظروف المناخية الصعبة، والعزلة الجغرافية، والحروب الأهلية بين القبائل.
هذه المفارقة مفهومة أيضاً، فغالب ما يصدره الإعلام الرسمي هو الصورة الحاضرة، صورة الإنجازات والتنمية التي حدثت بعد السبعين، ربما نجد صوراً بالأبيض والأسود لمسقط في بدايات القرن المنصرم، وربما تعكس بعض هذه الصور حال البلاد، لكن الجوع لن يوجد إلا في الحكايات؛ ومن خلال الحكايات فقط نستطيع أن «نؤنسن» التاريخ، خصوصاً أن أكثر التواصل الإنساني بين شعوب الدول العربية عرف في العصر الحديث، عصر صورة الرفاه النسبي، لذا أنا لا أستغرب هذه النظرة لدول الخليج عموماً، ولعمان على وجه خاص، فكل الذاكرة المتكونة والمنقولة عبر مختلف الوسائط، هي ذاكرة لصور الرفاه.
> البعض يأخذ على رواية «دلشاد» تكرار الحدث نفسه على لسان أكثر من شخصية فطال النص دون مبرر، كيف تردين على تلك الملحوظة. وكيف تتعاملين مع النقد عموماً؟
– وجهة نظري الخاصة في تعدد الأصوات في روايتي، هي أنه لا يمكن أن يسرد أي حدث من رؤية شخص واحد، فهناك الراوي الذي كان في داخل الحدث، وهناك الراوي المراقب، ذاك الذي رأى الأشياء بصورة مختلفة، وكانت له تفاسيره المختلفة لمجريات الأحداث، هكذا وجدت أن البناء الروائي يصير أكثر إحكاماً.
بالنسبة للنقد فأنا أحترم جداً الرأي الذي يعتمد على أسس منهجية واضحة، وحتى الرأي الذي يكون انطباعياً ومبنياً على الذائقة، إذا صرح بذلك. وبالنسبة لغير النقاد المتخصصين، على المرء أن يكون حذراً، فالفنون عموماً تعتمد على الذائقة الخاصة بكل شخص، وأنا أحترم هذه الذائقة التي تخالفني بالضبط مثلما أحترم الذائقة التي تتفق معي، وأراجع كل الملاحظات التي تأتيني وأقيسها على النص، وعندما أجد فيها صواباً لا أستنكف، بل أعمد إلى استثمار الملاحظات في نصوصي القادمة، لذا أنا أحب النقد وأحب آراء القراء.
> كيف ترين حالة الاحتفاء الشديد التي قوبلت بها تجربتك الروائية حتى الآن؟
– مدهشة، وغامرة جداً، فأنا شخصياً أعتبر نفسي مجرد قارئة تعشق الأدب، وتحاول أن تقول شيئاً ما للعالم، شيئاً تعرفه وتريد إيصاله، لذا عندما وجدت الاحتفاء الشديد بتجربتي في «الباغ»، جفلت، وبقيت لسنوات عاجزة عن الكتابة، ولن أبالغ إن قلت إنني وفي لحظة ما شعرت بالهزيمة، إذ ظننت أن هذا كل ما هناك، وأن القراء لن يقبلوا مني أي تجربة جديدة، وأن «الباغ» ستكون عقبة أمام كل نص أصبو لكتابته.
لذا فتجربة «دلشاد»، جاءت بعد مخاض طويل، واحتجت إلى «قوة قلب» كي أتجاوز الباغ بشكل شخصي، وقلت في نفسي، لا يليق بامرأة عاشقة، أن تكتب نصاً روائياً يتيماً ثم تنسحب. كتبت «دلشاد» بكل قلبي، وعندما نجحت فتحت عيني، كنت على الضفة الأخرى، فابتسمت وسالت دموعي، فأنا ممتنة لها، ولكل القراء الذين قرأوني بكل هذا الحب، وللأصدقاء الذين احتضنوا تجربتي وقدروها.
> بدايتك كانت مع القصة القصيرة التي صدر لك فيها أكثر من مجموعة، فهل كان التحول نحو الرواية استجابة لغواية هاجس البريق والانتشار الذي ينطوي عليه هذا الفن أم ثمة ضرورة فنية ما؟
– كلامك دقيق جداً، فأنا كاتبة قصة في الأصل، وأحب القصة القصيرة، أحبها جداً، ولطالما رددت أنها تشبهني، قصيرة ومكثفة ومثل رصاصة، تصيبك إذا ما أجدت كتابتها، في وسط القلب، أو في منتصف الجبين وهناك تترك أثرها.
لكنني وجدت أن مساحتها تضيق بالكتابة عن مسقط مثلما أريد، أي أن أتتبعها تاريخياً، أن أحيي حكاياتها وأفكك حالات شخوصها، آلامها ومسراتها، ثوراتها وعلاقاتها بالبحر وببلدان الدنيا. لذا كانت «الضرورة الفنية» هي ما دفعني للخروج من القصة إلى الرواية، هذا إضافة إلى الرغبة في تجريب هذا الجنس الأدبي الشاسع، الذي يملك على حد تعبير «ميلان كونديرا» القدرة على رؤية الغابة والشجرة في نفس الوقت.
نعم كتبت الرواية أيضاً لأختبر نفسي، لأتعرف على حدود قدراتي وتحديها، فالموضوع من هذه الناحية شخصي جداً، أما البريق والشهرة، فهذا يرتبط إن كان موضوعياً وفي محله بالإجادة، سواء في القصة أو في الرواية، وغير ذلك فهو لحظة مارقة، شيء أقرب للزبد، لا يمكث في الأرض ولا ينفع الناس.
أقول هذا غير منكرة أن الرواية عرفت بي عند جمهور أوسع من القراء، وهذا حسن ومقدر جداً، ولكن تخيلي معي، لو كنت كاتبة قصة ضعيفة المستوى، أكتب أيضاً رواية ضعيفة المستوى، أظن أنه في تلك الحالة سيتحول البريق إلى إعتام تام.




[ad_2]

Source link

من sanaanow