[ad_1]

ستيفان تسفايغ… هل كان محقاً حين فقد الأمل في أوروبا؟

شبح الحرب يعيد أعماله إلى الواجهة


الأحد – 10 شعبان 1443 هـ – 13 مارس 2022 مـ رقم العدد [
15811]


ستيفان تسفايغ

باريس: أنيسة مخالدي

«الشمس تسطع بقوة… وأنا أتلفت شاهدت خيالي ولمحت معه خيال الحرب الأخرى وراء الحرب الحالية… لم تفارقني طيلة هذه السنين مغلفة أفكاري بغمامة من الحداد… ليل نهار… ربما يكون قوامها الداكن ظاهراً على صفحات هذا الكتاب…»
كانت هذه العبارات الأخيرة التي ختم بها الكاتب النمساوي ستيفان تسفايغ، آخر وأهم أعماله «عالم الأمس… مذكرات أوروبي» كتبها في 1942 قبل أن ينتحر هو وزوجته في منفاه بالبرازيل بعد أن فقد الأمل في أوروبا وحضارتها التي «دمرت نفسها»، كما جاء في رسالة انتحاره بسبب التطرف والنزعة الشعبوية وجنون الحروب التي حصدت ملايين الأرواح.
ومن يقرأ «عالم الأمس» التي شملت خلاصة تجاربه وأسفاره بين أواخر القرن التاسع عشر إلى عام 1941 بكل الأزمات والحروب التي عرفتها أوروبا آنذاك، يلاحظ بشيء من القلق أوجه التشابه مع ما يحدث اليوم على الساحة الأوروبية والعالمية، بدءاً بالصعود المخيف لجماعات اليمين المتطرف إلى الوباء الذي يهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لشعوبها، وشبح اندلاع حرب عالمية ثالثة بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا…
عاشق أوروبا
تسفايغ أوروبي حتى النخاع… بدءاً من نشأته في فيينا من أم إيطالية وأب تشيكي الأصل إلى عشقه لكل أشكال ومظاهر الثقافة الأوروبية: فنونها، آدابها، معمارها وحتى طبخها، أتقن اللغات الفرنسية والإيطالية والإنجليزية، وزار معظم دولها وأحبها جميعاً، لا سيما باريس وفيينا، الأقرب إلى قلبه. ومن يقرأ مذكراته في «عالم الأمس» سيعجب بهذا النوع من الحياة المليئة بالكتب والمسرح والموسيقى والترحال، أعطانا نبذة عنها حين وصف مسقط رأسه فيينا: «أن تعيش وتترك الآخرين يعيشون كان مبدأ فيينا، المقاهي كانت عبارة عن نوادٍ مفتوحة للجميع، كل واحد منا كان بوسعه المكوث فيها لساعات للمناقشة، الكتابة أو قراءة الصحف، لا شيء ساهم في تحرير العقول كتلك السهولة التي كنا نجدها في مناقشة الأحداث مع حلقات الأصدقاء، كنا نؤمن بالعدالة الاجتماعية، الإنسانية كانت قيد الحركة والعالم كان يعيش عصره الذهبي…»، أما باريس التي كان يوصي الجميع بزيارتها، لا سيما في فترة الشباب، فقد وصفها في هذا المقطع بما يلي: «آه… عليك أن تزور برلين أولاً لكي تذوب في عشق باريس… عليك أن تشعر بالخضوع الإرادي في ألمانيا بذاكرتها الطبقية التي تسجل المراتب والمسافات، برلين التي يستحيل فيها لزوجه ضابط أن تصاحب زوجة أستاذ وزوجة أستاذ زوجة عامل… في باريس تراث الثورة لا يزال حياً يجري في الدماء… العامل يشعر بالحرية والتقدير مثله مثل رئيسه في العمل، عامل المقهى يصافح ضابطاً رفيعاً وكأنه رفيقه في العمل…. وهاتان البرجوازيتان الأنيقتين لن تكشرا في وجه بائعة الهوى التي تعمل في الشارع بل تراهن يتحدثنا معها كل يوم وأطفالهما يمنحنها الورود…». زار تسفايغ الهند وأفريقيا وأميركا اللاتينية لكنه لم يشعر بالأمان إلا وهو في أوروبا وحلم بتوحيدها قبل ستيفان ومونيه، حيث كتب في عالم الأمس: «أبداً لم أحب أرضنا العجوز كما أحببتها في السنوات الأخيرة قبل الحرب العالمية الأولى، أبداً لم أتمن وحدة أوروبا، ولم أؤمن بمستقبلها كما هو الحال في هذه الأوقات التي نلمح فيها فجراً جديداً».
نجاح منقطع النظير
قد يكون هنالك جدل حول مركز ستيفان تسفايغ في فن الرواية، وهل هو روائي مبتكر أثر في مسار الأدب بالقرن العشرين، أم هو كاتب من «الدرجة الثانية»، كما وصفته بعض أوساط الأدب الجرماني التي لم تنصفه رغم النجاح الشعبي، أو كما وصفه الناقد البريطاني مايكل هوفمان على صفحات «لندن روفيو أوف بوك» بـ«بيبسي الآداب النمساوية». على أن المسألة قد تبدو محسومة في فرنسا، ففي سلسلة «بلياد» التابعة لدار نشر «غاليمار»، المخصصة للأعمال الأدبية الخالدة يكتب الفيلسوف والكاتب ميشال تورنيي بشأن تسفايغ: «لم يكن تسفايغ الأكثر ثورية ولا الأكثر إبداعاً، لكنه بالتأكيد الأكثر ذكاءً وثقافةً، كان قارئاً محترفاً يعرف جيداً ماذا يريد القارئ، وعن ماذا يبحث، وبالتأكيد كاتباً متميزاً له رؤية خاصة لم تتكرر عند كاتب آخر». كتب قصته القصيرة الأولى وهو لا يتعدى التاسعة عشرة، وأبدع حين ألف «أربع وعشرون ساعة في حياة امرأة» و«لاعب الشطرنج» و«حذارى من الشفقة»، إضافة للسيرة الذاتية لماري أنطوانيت وبلزاك، فما سر رواج أعماله؟ لغة تسفايغ كانت بديعة في تصويرها للمشاعر الداخلية والانفعالات التي تختلج النفوس، كان صديقه الأديب الفرنسي رومان رولان، يصفه بـ«صائد النفوس»، لأنه بارع في تحليل مشاعر شخصياته والغوص في أعماقها، وغالباً ما نجد إيحاءات سيكولوجية قوية في أعماله، ربما كما يقال لشغفه بالتحليل النفسي، لا سيما أعمال صديق حياته سيغموند فرويد. تضيف الكاتبة دومينيك بونا، على صفحات «لوموند»: «كان لتسفايغ نفور من كل أشكال الإطالة والإسهاب، لدرجة أنه عرض على إحدى دور النشر ذلك الاقتراح المجنون المقتصر على نشر سلسلة كاملة من أعمال ديستويفسكي وتوماس مان مع حذف تام لكل ما هو زائد وغير ضروري فيها، لكي تكتسب، حسب رأيه، حياةً وتأثيراً جديداً، فالاختصار والسرعة في السرد في نصوص تسفايغ كان بالتأكيد ما يعجب القراء، نصوصه مختصرة في الأبطال أنفسهم، وقلقهم الوجودي وحسب»، فلماذا لم يكتب إلا رواية طويلة واحدة؟ قد تكون أسفاره الكثيرة وانشغاله في الصحافة والمحاضرات قد شكلت عائقاً، لكن كما يشرح المترجم وكاتب سيرته الذاتية سارج نيامي: «تسفايغ كان إنساناً قلقاً بطبعه يتفادى وضع نفسه محل مقارنة مع نظرائه في فترة كان فيها النشاط الأدبي زاخراً، كيف له أن ينافس صديقه ومواطنه المتألق جوزيف روث الذي كان يكتب الرواية تلو الأخرى؟». هذا لم يمنع رواج أعماله، خصوصاً في فرنسا، أرقام دور النشر تؤكد علاقة الشغف التي جمعت تسفايغ بالقراء الفرنسيين. فبعد ثمانين سنة على رحيله لا يزال من أكثر الكتاب الأجانب مبيعاً في فرنسا بعد شكسبير وأغاثا كريستي. صحيفة «لوموند» التي نشرت دراسة معهد «جي إف كي» قيمت مبيعات أعمال تسفايغ بأكثر من أربعة ملايين نسخة في السنوات العشر الأخيرة، أي بمعدل 350 ألف نسخة سنوياً، الأكثر رواجاً كانت قصته القصيرة «لاعب الشطرنج» التي لا تتعدى ثمانين صفحة، والتي باعت منها دار نشر «غراسي» أكثر من مليون ونصف المليون نسخة، وعرفت لوحدها ست ترجمات فرنسية.



النمسا


Art



[ad_2]

Source link

من sanaanow