[ad_1]

تطل مفارقات موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، بمناخاتها وألاعيبها في المجموعة القصصية «مملكة مارك زوكربيرج وطيوره الخرافية» الصادرة أخيراً عن «منشورات المتوسط – إيطاليا»، للكاتب والمترجم المصري أحمد عبد اللطيف.
يتعامل الكاتب مع مارك زوكربيرج، مؤسس موقع «فيسبوك»، كشخصية أدبية تُهيمن على حيوات مأزومة، ويتمثله بشكل فانتازي مسكون بالخرافة؛ ما يجعل التنقل بين قصص المجموعة أشبه بالولوج من متاهة إلى أخرى. ففي قصة «حين صار مارك زوكربيرج إلهاً صغيراً» يغرق البطل في أجواء كابوسية تُضاعفها رسالة عبثية من مارك زوكربيرج: «كنت أبحث عن لساني المبتور حين جاءني نوتيفيكيشن من مارك زوكربيرج لأضع لايك على صفحة طائر يسمى الفولاك».
وتجمع المفارقة بين أحد أباطرة الحداثة التكنولوجية وبين طير «خرافي» يُدعى الفولاك، ليفتح الكاتب المجال السردي على آفاق العصرنة والأسطورة في نسيج واحد جاعلاً مارك يستخدم جيوشه من الرواد لمباركة طائره الخرافي. حينئذ تتحول ضغطة «اللايك» إلى انصياع للمجهول، وعدم ضغطها يصبح بمثابة إعلان للعصيان.
يشعر البطل بتهديد شخصي بسبب رسالة مارك، الذي منح مستخدمي «فيسبوك» مهلة زمنية ضيقة للضغط على زر «لايك» على صفحة طائر خرافي، وإلا يتم استبعادهم من جنة «فيسبوك» وتعطيل حساباتهم، فيجد البطل نفسه مُحاطاً بالقهر وهو مُهدد بأن يفقد تاريخه الشخصي وإلغاء هويته (صفحته الشخصية) إذا رفض الانصياع لأمر مارك «ليس بوسعي أن أفعل شيئاً سوى وضع لايك على صفحة طائر يسمى الفولاك لأحتفظ بعالمي وذكرياتي». تتشابك رحلة البطل المجازية في البحث عن لسانه المبتور في الطرقات، مع اقتراب انتهاء مهلة زوكربيرج لرواد موقعه، ويضع السرد عراقيل أمام البطل لقبول أمر مارك، ليصبح الطائر الخرافي سبباً في مزيد من شعوره بالإقصاء.
على الهامش يستعيد البطل مشاهد من فصول حياته «المبتورة» التي نفذ إليها «مارك» كصياد ماهر، فاستطاع صيد ملايين الغرباء في شبكته: «كنت غريباً أيضاً في الماء الذي هو الحياة والعالم»، منحه مارك مرفأ الوجود بين بشر، منحه صوتاً وقناعاً، وقوة الاختفاء والتلصص، منحه منطقة آمنة، وقدرة على التواصل، منحه بيتاً افتراضياً، وصندوق رسائل يحفظ داخله تاريخه وذكرياته مع حبيبته الغائبة، فصار الهامش الافتراضي بديلاً عن متن الحياة.

أقنعة فردوسية
في المجموعة تبدو المواقع الإلكترونية و«السوشيال ميديا» ممالك بأقنعة فردوسية، يسكنها «قطيع» يقف على مسافة من الحياة التي استبدلوها بمقاعد خلف شاشات إلكترونية، ولعل مشاعر التيه وتعاسة الوحدة التي يُعاني منها أبطال المجموعة حطت من قدرتهم على التخلي عنها، فسلموا مفاتيح مصائرهم لملوك تلك الممالك، ففي قصة «صورنا على التيندر ليست صورنا في الواقع» يُحصل البطل معارفه وخبراته عن الحب من شبكة «غوغل» التي باتت تسُد لديه النقص الحاد في تجاربه الحياتية، ويصبح موقع «تيندر» نافذته للاقتراب من احتمالات الحب وفق قوائم ومعايير هذا الموقع المُكرس للتعارف والمُواعدة.
وتدخل السينما إلى المشهد القصصي من نافذة الوحدة، التي جمعت شتات أبطال المجموعة، ثمة تعلق بالسينما كشريك سحري افتراضي وأحياناً وسيلة لفهم العالم، فهنا بطل يتمنى صناعة فيلم «يكون الحلم فيه هو البطل لكن ليس على طريقة فيلليني»، وآخر يرى تفاصيل الحب تُكرر نفسها كفيلم سينمائي بسيناريو مكتمل له بداية ونهاية.

علامات ترقيم وندوب
تضم المجموعة خمس قصص، أغلبها مكتوب بضمير السارد المتكلم، ويسود السرد حركية عاصفة للأحداث والحكايات التي تتوالد كحكايات ألف ليلة وليلة، كاسرة أفق التسلسل الزمني والمكاني، ومن اللافت أن القصص كُتبت من دون علامات ترقيم من البداية حتى النهاية، في لعبة شكلية لا تخلو من رمزية، كأن الحكايات المُندفعة على ألسنة أبطالها أشبه بصرخة مفتوحة على البدايات والنهايات، لا يمكن الوقوف في وجهها، أو إعاقة سريانها ولو بعلامات ترقيم.
صدر المؤلف المجموعة بمقطع للكاتب والشاعر الأوروغواني ماريو بينيديتي مأخوذ من كتابه «تقرير عن النُدبات»، وتظهر الندوب في المجموعة كمجازات للألم الظاهر والباطن، فبطل إحدى القصص يُلخص تاريخه الشخصي في نُدبة على خده الأيمن، يتوحد مع قصتها الغائرة فتدفعه لمزيد من الانزواء، وتُلاحقه في كل ترحال، ومع ذلك لا يراها غيره، فيظل أسيراً لتصوراته عن نفسه حتى تعطل لديه شعوره باستحقاقه للحب «كانت الندبة الظاهرة دليلاً ناصعاً على نُدبة أخرى بداخلي أحاول دائماً مداراتها ونسيانها والهرب منها لكنها كانت تتعمق في كل مرة أعاني فيها من التجاهل أو من نظرة استخفاف».
فالندوب التي تسكن وجدان أبطال القصص تجعل اقترابهم من الحب أصعب، والعثور عليه نجاة، لذلك يقفون على عتبات تصديق العلامات والأحلام أو وراء جدران إلكترونية.
وفي مواجهة رمزية الندوب الموحشة يستعين الكاتب بمفردات العمارة من بناء وتشييد وسقوط، متصوراً نسقاً ما لبنائية العلاقات العاطفية المُعقدة وجوهر الاختيارات ومآلاتها، كما في قصة «(هو) و(هي) قصة عن الهدم والبناء»، حيث تصير الحياة أرضاً مرهونة بفُرص البناء وتجاور البنايات، وفي قصة أخرى تبني البطلة «ماكيتات» للمُدن التي تتمنى زيارتها، وتُمهد داخلها الشوارع، وتُحيطها ببشر لهم ملامح من صلصال يسيرون فيها، في فضاء سحري بديل يجعل الأحلام ممكنة بقوة التخييل.
يذكر أن هذه المجموعة القصصية الأولى لأحمد عبد اللطيف، الذي اتجه مبكراً لكتابة الرواية، ومن أبرز أعماله الروائية «صانع المفاتيح» و«كتاب النحات» و«حصن التراب: حكاية عائلة موريسكية» و«سيقان تعرف وحدها مواعيد الخروج»، إلى جانب ترجماته العربية من الأدب الإسباني وأميركا اللاتينية.




[ad_2]

Source link

من sanaanow