(مقارنة)
لم يكن عمرها يساوي قوةً لتشتت غائرٍ بين أوراقٍ تلتهمُ نظراتها كلما تأكدت أنها وصلت للنهاية…
استنزفت تلك الصورة: الوقت، والأوراق، والجهد، وعلبٌ ألوانٍ كثيرةٍ خشبيةٍ ومائية وزيتية و…، والكثير من صبر أمٍ يختبئ تحت عباءة صمتٍ وخوف وبعض الأمل.
ضاقت غرفة سلمى بأوراقٍ وألوانٍ متضاربة، عدا عدة المدرسة؛ فقد حافظت على ترتيبها مدةً مميتة لم تقترب منها…، ولم تستدع أي وقت لها.
الوقت لايشبع تنقلها بين الرسم والمسح ويتوه أكثر بين والتشتت والتلوين الذي يسيح بين الأوراق كلما اكتمل.
لم يثن عزمها عن رسمتها توبيخ المعلمات وملاحظة المربية! بل أضافت لإهمال الوضائف شروداً يختطف ساعات الدرس… ويختطفها.
استدعتها المديرة :
– “سلمى لماذا كل هذا الضياع بعد ذاك التفوق ؟!.سلمى ماذا استجد؟”
اكتفت سلمى بنظرات توحي بإسفٍ وخجلٍ وخاطر في نفسها:
“سأهتم بمستقبلي وأترك تلك الرسمة…..”
في الغرفة ؛ تذكرت تأنيباً طرياً..، تناولت الحقيبة بدأت بأول اهمالاتها، نبشت….
لم تكمله؛ فثمةَ نزاعٌ يتشاطرها ويتجاذب أركان غرفةٍ لم تتنفس: “دروسي أهم، لالا…رسمتي الأهم، لا بل دروسي أهم من تلك الرسمة”.
استدعت دفترها من بين أكوام الورق، قلبت صفحاته…فتقلب معها خيالٌ لصورةٍ تشرح صدرها وخاطرها وتعذبها كلما حاولت صبها على الورق.
عاود النزاع يضجُّ بتفكيرها بين ماتريد هي ومايُراد منها، يقطعهُ دخول أمها الغاضب: “سلمى طفح الكيل يابنيتي هذه الرسوم ليست أهم م…
” صرخت سلمى: “أي مستقبلٍ يا أمي، يستحيل المستقبل ولم تكتمل رسمتي..”.
اقتربت الأم لملمت بعض الأوراق، تحننت بيأس: “سلمى اختاري واحدة من هذه الأوراق التي رسمتها واكتفي بها..”
أجهش صوت سلمى: “أمي تحققي في الورق جيداً، ألا ترين هذه الورق أنها تلتهم كلما رسمت – ويرتفع وجعها – فكلما انتهيت من تلوين رسمتي ساحت الألوان وشاخت الورقة…أني تائهة!”.
غادرت الأم الغرفة تتلوك الحزن والخوف وال…..
تغلق سلمى غرفتها، يُنهكها الدوار ووجعُ يفتت رأسها، تختنق.. تقترب من نافذتها الوحيدة..، تُلقي للسماء مصراعيها، تتنفس عميقاً، وتُرسلُ نظراً بعييييداً، وتمعن فيه…….، تهللت تباشير وجهها، اتسعت عيناها، ازدادت اتساعاً ودموعاً.. إنها تراها هناك – الصورة التي تستحوذ خيال عينيها- تتوسط اتساع السماء، وتضيق في حدود النافذة..ضاعت سلمى بين نظراتٍ لصورة بعيدة وأخرى لغرفةٍ تكدسها أوراق تلطخت بالسواد.
آزال الصُّباري .

من sanaanow