[ad_1]

فارس يواكيم يكشف أن «شبلي شميل كان شاعراً»

محامي «نظرية داروين» له ديوان


الأحد – 17 شعبان 1443 هـ – 20 مارس 2022 مـ رقم العدد [
15818]


بيروت: سوسن الأبطح

غالباً ما تأتي كتب الأديب والباحث فارس يواكيم، بمثابة مفاجأة من حيث مواضيعها، وطرافة محتواها، وهذه المرة لم يخالف عادته. قرر الكاتب أن يقدم لقارئه «ديوان شبلي شميل» الذي لم نعرفه شاعراً ولا قريباً في روحه من الشعر؛ بل على العكس، هو من ذاك التيار الذي آمن بالعلم والمادية، واتخذ مواقف حازمة حتى من الفلسفة والتاريخ، متأثراً بالثورة العلمية في الغرب في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
وأكثر ما اشتهر عن شميل دفاعه عن نظرية داروين «أصل الأنواع» التي كان من أشد المعجبين بها. وهو من قرر أن ينقلها إلى القراء العرب، من خلال ترجمته لكتاب الألماني بوخنر، ونشره عام 1884، واضعاً له مقدمة دافع فيها عما سمَّاها «نظرية النشوء والارتقاء»، ليصبح بعدها صاحب هذا التعبير العربي الشهير ومبتكره.
«ديوان شبلي شميل» جمعه وحققه وقدم له فارس يواكيم، «دار الفرات»، في بيروت. لكن في حقيقة الأمر، هو كتاب شبه شامل عن هذا اللبناني- المصري الذي لم نعرف غير وجه واحدٍ له. والمفاجأة، هي في عدد القصائد التي جمعها يواكيم من الصحف والمجلات، ووجدها مبعثرة في متون مقالات شميل.
فهذا الأخير، لم يكن يعبأ بالجانب الشعري من كتاباته، كما لم يكتب عنه كثيرون، وبالتالي بقيت القصائد طي الورق الأصفر في أرشيف المكتبات. هذا إضافة إلى المقدمة القيمة، والدراسة المتكاملة التي احتواها الكتاب عن حياة شميل وفكره ومساره، ورأي أدباء عصره بكتاباته وشخصه، كما الإضاءة على كل قصيدة، ومناسبتها وسياقها، وما استدعته من ردود، وأحياناً ثمة ردود شعرية أيضاً.
نكتشف شبلي شميل التعددي، المثقف صاحب الأفكار المستهجنة أحياناً، والتي يصعب تفسيرها، كما رأيه المعارض لتأميم قناة السويس. فقد كان يذهب في بعض الأفكار إلى التطرف والمبالغة، مما زاد من عدد منتقديه، ومن ردوا عليه حججه؛ لكنه بقي محبوباً، حتى ممن عارضوه، لتعففه عن المال، واستقامته، وحسن طويته.
ولد شبلي شميّل في بلدة كفرشيما الواقعة على تخوم بيروت عام 1850. أصغر إخوته الستة، وابن الصحافي رشيد شميّل، مؤسس جريدة «البصير» في الإسكندرية.
درس في مدرسة عينطورة، ثم التحق بالكلية السورية الإنجيلية في بيروت سنة 1867، ليدرس الطب. وكان يعقوب صرّوف، من زملاء الدراسة، يسبقه بصف واحد، فوصفه وهو في السابعة عشرة بقوله إنه «شاب قصير القامة، أسمر اللون، سريع الخاطر، تلوح عليه مخايل النجابة والذكاء، مرتدٍ بالثياب الإفرنجية، وكان لبسها نادراً بين الوطنيين في ذلك العهد».
تخرج شبلي شميّل عام 1871، وكانت رسالته في موضوع «اختلاف الإنسان والحيوان بالنظر إلى الإقليم والغذاء والتربية». ذهب إلى باريس لسنتين للدراسة الجامعية العليا، في الطب. هناك توسع في الاطلاع على كتابات الماديين والعلمانيين. انتقل إلى إسطنبول، واجتاز الامتحان في الطب بنجاح كبير. ثم عاد إلى لبنان؛ لكن إقامته فيه لم تطل، إذ توجّه عام 1875 إلى مصر.
مارس الطب في طنطا لخمس سنوات، انتقل إلى القاهرة وبقي فيها حتى نهاية حياته، يمارس الطب، ويدافع عن أفكاره المثيرة للجدل.
1886 أصدر مجلة «الشفاء» الطبية التي كان يحررها بمفرده. ونشر كتباً قديمة في الطب، مثل أرجوزة ابن سينا، وفصول بقراط، مع شروح وافية.
كتب مقالات أدبية ضمّنها رأيه في الشعر، والاجتماع، وتناول مسألة الاشتراكية، والعلم وأهميته للمجتمع. وكان ينشر مقالاته في الصحف، ومنها: «المقتطف»، و«الهلال»، و«البصير»، لرشيد شميّل ابن أخيه.
كان مترجماً أيضاً، امتلك اللغتين العربية والفرنسية. ومما يستحق الاهتمام ترجمته لمسرحية «إيفجيني» للأديب الفرنسي راسين، وقد نقلها من الشعر الفرنسي الموزون المقفّى إلى الشعر العربي، العمودي. ونجد مقاطع من هذه الترجمة في الديوان.
وجرّب شميل التأليف المسرحي، فوضع «المأساة الكبرى»، ووصفها بأنها «رواية تشخيصية في الحرب الحاضرة».
يقول يواكيم: «إن شبلي شميّل شاعر، وذو أسلوب يميّزه عن سواه. وإنْ كان هو نفسه لا يتحمس لفكرة الانتساب إلى الشعراء؛ بل يتجنّبها. لم ينشر قصائده في ديوان، ولم يجمع أحدٌ بعد رحيله تلك القصائد المتوزعة على صحف ومجلات زمانه. بعضها قصائد كاملة، وبعضها مقطّعات أو قصائد قصيرة، وبعضها أبياتٌ كان ينظمها ويضمّنها مقالاته العلمية ليشرح بالشعر فكرة أو ليدعمها، أو ليدوّن خاطرة. ولم يكن يَخفى عليه أن الشعر -خصوصاً في عصره هو- كان اللون الأدبي الأثير لدى القراء العرب».
الكتاب يشرح أن شميل كان ناقداً كذلك، له «رؤية حداثية ما زالت صالحة في عصرنا». وكان يأنف من الذين يستخدمون الشعر للتزلف أو جني المال، أو لاستعطاف الحسان، أو للتحليق في الخيال لمن أضجرهم الترف، في حين يجب أن يبقى كما كان «صناعة الذين يعظّمون مفخرة ليُقتَدى بها، ويصفون مظلمة ليُنتَبَه إليها، ويضربون الباطل لينصروا حقيقة، ويدوّنون حكاية ليعَوِّل التاريخ عليها».
بهذا المعنى، فإن الشعر عند شميل ليس زخرفاً، ولا غنائيات، وإنما يجب أن ينطوي على معنى وغاية. وتسجل له جرأة نادرة حين ينتقد المتنبي بقوله: «أنت تستطيع أن تترجم شعر هوغو وموسّيه وروستان، وتستفيد من ذلك غرضاً اجتماعياً وبحثاً أدبياً أخلاقياً وعبرة تاريخية؛ لكنك لا تستطيع أن تترجم شعر المتنبي وأبي تمام والبحتري، ولا أن تستخلص منه شيئاً من ذلك غير بعض الحكم والأمثال مشتتة في تلك الأدغال، لا رابط ينسقها. ولماذا؟ لأن هوغو أطلّ على العالم أجمع، فنظر إلى الحقائق، وبما له من قوة الخيال وحسن السبك، ربطها وكساها من شعره حلّة مهيبة رهيبة. (…) فلو عُني المتنبي وأقرانه بالأمور نظيرهم، وقصدوا فيه إلى مرامٍ اجتماعية عالية، أكان خانهم خيالهم؟ أوَلا كانوا فاقوا شعراء الإفرنج في دقة الوصف وقوة التصوّر وسعة الخيال؟».
ورأيه في الشعر يقوله صراحة في أبياته التالية:
ليس لي في الشعر مطلبْ إنما لي فيه مذهبْ
تارة أرغبُ في النظم وطوراً عنه أرغبْ
لست بالشاعر لكن علَّ حكمي فيه أصوبْ
كتبت مي زيادة في شعره: «الدكتور شميل شاعر لا تجد في قصائده رقة شوقي الذائبة، أو عذوبة الخليل الجارحة، أو دلال ولي الدين يكن المعذَّب… لسبب رئيسي، وهو أنه يكتب بفكره فقط. ويندر جداً أن تسمع عواطفه متكلمة؛ لأنّ شعره كنثره، ينحدر من دماغه». ورأت مي أن «هذا النوع من الشعر يزيد في ثروة اللغة وجمالها».
لكن عباس محمود العقاد كان له رأي مخالف؛ إذ رأى أن شميل «ظلم شاعريته كما ظلم سائر الشعراء» فقد كان بمقدوره أن يكون أشعر مما كان «لولا شدة تعصبه للعلم».
وقد تقول: من هو الشاعر الذي رضي عنه شميل، ما دام المتنبي لم يعجبه؟ والإجابة أن شاعره المفضل هو أبو العلاء المعري الذي اعتبره «فيلسوف الشعراء قاطبة، وأكثر شعراء العرب علماً وأرجحهم عقلاً. وهو الوحيد بينهم الذي ترفّعت نفسه عن تلك الدنايا، ومال عقله عن سفساف القول إلى الحقائق ومحاربة الضلال».
ويسلط الكتاب الضوء على جرأة شميل؛ ليس فقط في النقد؛ بل بتناوله موضوعات جريئة تلامس المحرمات، يتعرض للحذف تكراراً عند النشر، فيغضب ويستشيط.
في الديوان قصائد متنوعة المواضيع، كما قصيدة «الربو وأنا» التي يتحدث فيها عن المرض الذي سيودي بحياته فيما بعد؛ لكنها لا تخلو من طرافة وظرف. وفي مكان آخر نعثر على قصيدة موجهة منه إلى مي زيادة بعنوان «رعب مي»، وهي أيضاً ترد عليه بأبيات بالفرنسية بعنوان «مصالحة» منشورة في الكتاب، مع ترجمة موفقة لها من المؤلف باللغة العربية. ورد على الرد بعنوان «الساحرة إيزيس». وجدير القول إن القصائد بين مي وشميل، تظهر عمق الود، وطبيعة الصلة التي ربطت هذين الشاميين- المصريين في تلك الفترة.
شعر شميل كثيراً ما يأتي في مناسبات وعلى مفاصل، فنجده مرتبطاً بمواضيع وأحداث تساعد على فهم المرحلة. فقد كتب أحمد شوقي قصيدة «للعظة والتاريخ» ونشرها عام 1913 حزيناً على خسارة تركيا معظم الأراضي التي كانت تحت سيطرتها في البلقان، فرد عليه شميل العروبي المناهض للعثمانيين بقصيدة «تهنئة مقدونيا ولسان حالها لنا… بمناسبة مرثية شوقي لها». قائلاً في مطلعها:
كلا وربِّك ما هوى الإسلامُ
لم يهوِ إلا الغاشم الظَّلَّامُ
يا أيها العرب الأُباة إلى متى
طال البلا فَلْتَنْتَخِ الأقوامُ
يا أرض سوريا الجميلة بلغي
بيروت عنّي ولتهبَّ الشامُ
ولأرز لبنانٍ تُساق تحيتي
وعليكِ يا أرض العراق سلامُ
سيقدّر القارئ لفارس يواكيم، أنه قام بعمل بحثي غايه في الأهمية، فهو لم يجمع القصائد فحسب؛ بل تتبعها، وسعى إلى البحث عن المحذوف منها، وقارنها وتأكد من مصداقيتها، ووثقها، كما عني بالنثر في بعض المواضيع كما اهتم بالشعر. ونرى أنه قام بالتنقيب بشغف العالم؛ خصوصاً أنه قد سبق له وأصدر كتباً حول الأدباء الشوام في مصر.
رغم إصرار شميل على أن يحمل الشعر المعاني والأهداف، فإن هذا لم يمنعه من كتابة أبيات طريفة عن إزعاج البعوض له عندما منعه من النوم ذات ليلة حارة، أو يسخر من تدهور حالته الصحية، واعتماده على العصا في المشي: «مضى الزمن الذي كنت فيه أقول كأنني في الناس عنتر… فصرت إذا مشيت وقد رأتني كلاب الحي مثل الأسد تزأر». وكتب قصيدة غيرها عن خلاف استعر بين صحيفتي «الأهرام» و«المقطم». وناشرو هذه وتلك لبنانيون. وكانت «المقطم» تميل إلى السياسة البريطانية، و«الأهرام» ذات ميول فرنسية. وكان شبلي شميّل على علاقة جيدة بالطرفين، فنظم قصيدة ساخرة، يقول في مطلعها: «في مصر قامت ثورة، بين (المقطم) و(الهرم). من عهد عادٍ ما سمعنا مثلها بين الأمم».
نكتشف أن شعر شبلي شميل تنوع، وتعددت مواضيعه، فكتب عن باريس، وبياض الشيب، والخيال، والأرض، والكواكب، والفلسفة، المساواة بين الرجل والمرأة، والوطن، والمرض، وحتى وصيته كتبها شعراً:
ادفنوني في القبة الزرقاءِ
إنْ قدرتم فذاك أقصى رجائي
لا بقبرٍ في الأرض لا كان قبرٌ
ضيّق النقب ضيق الأرجاءِ
أودعوني المنطاد ينقل جسمي
في فسيح الخلا وصافي الهواءِ
ولْأنَلْ في المماتِ ما لم أنلْهُ
في حياتي من بعد طول العناء
سعة في البقا ولو بتُّ فيها
أكْلَ وحش الفلا وطير السماء



لبنان


Art



[ad_2]

Source link

من sanaanow