محمد سبأ: العمق الحضاري اليمني ساهم في صمود المشهد التشكيلي رغم الإكراهات.

فرادة المعمار تعكس قوة الحضارة اليمنية

عشق الفنان التشكيلي اليمني محمد سبأ الرسم منذ طفولته وظل مؤمنا بفنه ورسالته رغم كل التحديات، وهو الذي اختار التراث الشعبي اليمني لينهل منه وليوثّقه في أعماله. وعلى الرغم من أنه يعيش منذ أكثر من خمس سنوات في مصر، إلاّ أن اليمن بمعماره الأصيل وطبيعته الخلاّبة بقي حاضرا وبقوة في جل لوحاته التعبيرية.

عدن – ارتبطت مرحلة البدايات في تجربة الفنان التشكيلي اليمني محمد سبأ بالبيئة التي أحاطت به في القرية، حيث شرع منذ طفولته في رسم القرى والجبال المحيطة بمنزله في قرية “حي الثجة” بمحافظة إب، قبل أن يعزّز شغفه بالتعليم الأكاديمي من خلال التحاقه بقسم التربية الفنية بجامعة إبوهي، وهي المرحلة التي ساهمت في صقل تجربته الفنية التي تواصلت بعد ذلك عبر المشاركة في المعارض التشكيلية ومن ثم التوجه نحو الدراسات العليا في فن التصوير الزيتي والفنون والتراث.

وعن هذه المرحلة من حياته الإبداعية يقول سبأ لـ”العرب” “التحقت بأكاديمية الفنون في القاهرة في مجال الفنون والتراث الشعبي منذ العام 2017، وخلال تواجدي في القاهرة أقمت أربعة معارض شخصية أولها عام 2017 في دار الأوبرا المصرية الهناجر بمناسبة احتفالات السفارة اليمنية بالأعياد الوطنية، ومعرضا آخر نهاية العام نفسه بعنوان ‘اليمن تراث ماضٍ وحاضر’، ومن ثم معرضا شخصيا في العام 2018 في أكاديمية الفنون التي أدرس فيها بعنوان ‘مقتطفات يمنية’ احتوى أربعين لوحة من أعمالي”.

وفي العام 2019 قدّم الفنان اليمني معرضا فرديا حمل عنوان “في حب مصر واليمن” والذي لاقى رواجا كبيرا، حيث تناولته العديد من الصحف المصرية وعدد من القنوات العربية، وجمع فيه ستين لوحة رسم موضوعاتها من البيئة في مصر واليمن.

صمود ثقافي

محمد سبأ: الفنان اليمني متصل ببيئته وتراثه وهو يرسم من الواقع المحيط به

يؤكّد سبأ أن الفن التشكيلي في اليمن مستمر رغم كل الظروف التي يمرّ بها المشهد الثقافي ببلده جراء الحرب، مشيرا إلى أن هناك الكثير من المبدعين اليمنيين الذين ظهروا على الساحة التشكيلية في الفترة الأخيرة.

ويضيف “هناك العديد من الفنانين اليمنيين الذين عرضوا أعمالهم من خلال القنوات ومواقع التواصل الاجتماعي بالرغم من الأزمة الخانقة التي سبّبتها الحرب في اليمن، وقد يكون مردّ هذا الصمود الذي يبديه الكثير من الفنانين التشكيليين للتغلب على الظروف القاسية، العمق الحضاري الذي يستلهم منه هؤلاء الفنانون أعمالهم، واليمني بطبيعته يعيش محاطا بالفن كما هو حال زخارف العمارة اليمنية التي ترقى لتكون لوحات فنية في حد ذاتها. كما يدخل الفن في كل تفاصيل حياتنا كالزخارف على الأزياء والحلي، ناهيك عن الأغاني والعزف اليمني بالعود والزامل والإنشاد والرقصات الشعبية وغيرها”.

ولا يقلّل الفنان اليمني من حجم الآثار الكارثية التي خلّفتها الحرب على المشهد الثقافي عموما والفن التشكيلي على وجه الخصوص، حيث يشير إلى أن التشكيل اليمني في هذه الفترة التي يصفها بالعصيبة يمرّ بأسوأ حالاته. ويقول مؤكّدا “قاعات الفن التشكيلي مغلقة، كما أن الإقبال على شراء اللوحات الفنية يكون في الغالب من المثقفين والمهتمين بالفنون، وأيضا من السياح الذين كانوا يزورون اليمن باستمرار، وعدم وجود الاستقرار يؤثّر على الفنانين والمبدعين، فلا مشاركات خارجية ولا معارض داخلية ولا مسابقات ولا جوائز، كل هذا أسهم بشكل كبير في حدوث انتكاسة للفنانين”.

تجارب بلا ملامح

 

ثقافة شعبية عريقة وأساطير قديمة
ثقافة شعبية عريقة وأساطير قديمة

 

يعتقد محمد سبأ أن الكثير من الفنانين اليمنيين تميزوا بأساليبهم الخاصة، وخصوصا الجيل الأول والثاني في الفترة الممتدة بين ستينات القرن الماضي وحتى اليوم، ومن أمثال هؤلاء الرواد الفنان حكيم العاقل والفنان مظهر نزار والفنان عبدالجبار نعمان والفنان طلال النجار والفنانة آمنة النصيري وغيرهم كثيرون.

وهو يشير إلى أن هذه النخبة من الفنانين كانت تجربتها أكثر أكاديمية على خلاف جيل الشباب الذين لم تظهر ملامح المدارس والاتجاهات التشكيلية العالمية على أعمالهم عدا بعض المحاولات.

وهو يعزو ذلك إلى حالة التأرجح التي تظهر بين الواقعية والسريالية لدى بعض الفنانين الشباب، في الوقت الذي تغيب فيه ملامح الأسلوب الخاص لدى آخرين لم يكتشفوا أنفسهم بعد، وربما احتاجوا إلى المزيد من الوقت والممارسة والقراءة للوصول إلى خصوصية تجاربهم وصقلها بشكل أفضل.

ويُضيف “لهذا السبب لا يمكن الجزم بظهور ملامح لمدرسة يمنية خاصة، فالفنان اليمني متصل ببيئته وتراثه، وهو يرسم من الواقع المحيط به في الغالب والمدارس الفنية ترقى إلى مستوى الاختراع ولم نلمس أي اختراع لمدارس جديدة على مستوى العالم وليس في اليمن فقط، فهناك بعض الملامح لظهور مدرسة عالمية ربما نطلق عليها مستقبلا اسم مدرسة الخداع البصري، وهي الأقرب إلى أن تكون مرشحة ضمن تجارب الفن الحديث”.

الفنان يتتبّع في لوحاته العديد من الحرف والمهن الشائعة في اليمن، كما تحضر النسوة متنقلات بين الأسواق والحقول

ويتتبّع سبأ في لوحاته العديد من الحرف والمهن الشائعة في اليمن، كما تحضر بائعات البيض واللبن، والحدادون والفلاحون، إلى جانب العديد من البورتريهات لسيدات بلباسهنّ الشعبي وهنّ يقمن بأعمالهنّ اليومية في المنزل والحقل والشارع.

ويتجلّى من خلال ما يرسمه الفنان الشاب أن من أكثر وأهم الدوافع الإبداعية عنده هو التعبير عن الذات وتحقيقها، وهذا لا يكون ممكنا إلاّ من خلال حبه للفن والتراث والرغبة في أن يكون مؤثرا في الحياة، وأن يكون له دور فيها من أجل تحقيق التوازن الداخلي متوجها لذلك من خلال قوة دافعة إلى التحدي والاستكشاف والرغبة في الإبداع والسعي نحو الأصالة والتجديد والتميّز في مجال الفن.

وتبدو الألوان الساخنة الأكثر بروزا في أغلب لوحات الفنان اليمني بما يضفي عليها الشعبية التي تشكّلها هندستها المعمارية الأصيلة، خاصة في العاصمة صنعاء، بلون طوبها الأحمر ومدى اتساقه مع الشفق عند شروق الشمس وغروبها.

ويقيم الفنان اليمني منذ سنوات في مصر، حيث تأثّر بالحياة فيها فرسم لوحات تحكي عن الحضارة الفرعونية، وأشهرها لوحة لتمثال أبي الهول، التي حظيت بإعجاب الكثيرين. كذلك ينظم دورات تدريبية في مجال الرسم خصّصها لأبناء الجالية اليمنية مجانا، وعنها يقول “قرّرت أنا واثنان من زملائي أن ننفّذ دورات مجانية لأبناء اليمن وذلك دعما للثقافة والفن، وتشجيعا للمواهب اليمنية الراغبة في تطوير نفسها”.

وعن الرسائل التي يودّ إيصالها إلى المتلقي من خلال لوحاته يقول “أبحث في لوحاتي عن السلام في نبذ قطعي لكل مظاهر العنف وتجلياته، فالفن وحده القادر على صناعة عالم بلا عنف وأكثر إنسانية، وأحاول من خلال الاستلهام من تراث بلدي المعماري والثقافي على حد السواء أن أوصل رسالة إلى الجميع مفادها أن الأوطان أغلى ما نملك، وأن علينا الحفاظ عليها، خصوصا في هذه الفترة العصيبة التي تمرّ بها المنطقة العربية”.

 

نظرة أمل نحو مستقبل غامض
نظرة أمل نحو مستقبل غامض

 

 

من sanaanow