الأحزاب الدينية تكره المسرح، ولهذا فقد اتفقت على إجهاضه

تنوعت التجربة الإبداعية للكاتب والقاص اليمني منير طلال بشكل ملفت، فكتب الرواية التاريخية، وقدم العديد من الأعمال المسرحية للأطفال، إضافة إلى مساهمته في مجال أدب الطفل. ويعد طلال أحد الرواد الشباب الذين أعادوا إحياء هذا الفن المنسي في اليمن، حيث أنه علاوة على تقديمه للعديد من الأعمال الأدبية في هذا النمط الأدبي، فقد أسس مجلة للأطفال في العام 1993، لكنها تعثرت ولم تستطع الاستمرار، وهو الأمر الذي يقول إنه دفعه إلى الاتجاه نحو تطوير تجربته الإبداعية التي تمخضت عن إصدار أكثر من أربع وعشرين قصة للأطفال، صدر عدد قليل منها ضمن مشروع سلسلة أدب النشء بالهيئة العامة اليمنية للكتاب وبدورها لم يكتب لها الاستمرار.

 

الأطفال والمسرح

 

تحديات كثيرة لم تثن الكاتب عن مشروعه الأدبي الذي اختار أن يكون الأطفال جمهوره، وعن تلك التجربة يقول منير طلال لـ”العرب” “كنت آمل في أن أقدم من خلال سلسلة أدب النشء التي أشرفت عليها أكبر قدر من القصص، لكن لم نصدر إلا ثلاث قصص بسبب ضعف الإمكانيات المادية، لذلك قررت خوض غمار تجربة جديدة تمثلت في مسرح الطفل وأسست أول فرقة مسرحية متخصصة في مسرح الطفل هي ‘فرقة ألوان المسرحية’ وقد شاركني في تأسيسها عدد من الزملاء في الوسط الفني من الممثلين والممثلات، وقدمنا عدة مسرحيات عرضناها في اليمن وخارجه، ومن الأعمال التي قدمناها مسرحية ‘عكبور خارج القصر’ التي كانت أول مسرحية يمنية للأطفال تشارك في مهرجان خارجي، حيث شاركنا بها في مهرجان قرطاج، ومسرحية ‘درس للملكة الصغيرة’ ومسرحية ‘القط صديق الفئران’ وغيرها. وكنت أكتب أغاني لكل مسرحية بمعدل ست إلى سبع أغان، حتى بلغت الأغاني المسجلة والملحنة ثماني عشرة أغنية، كما شاركنا في ‘مهرجان صيف صنعاء’ وقدمنا عروضا مسرحية في عدن وتعز، وفي تلك الفترة اتجهت لكتابة رواية للنشء حملت عنوان ‘براءة النمر الصغير’، وهي مازالت مخطوطة بانتظار أن ترى النور، كما جهزت مسلسلا للأطفال بعنوان ‘حكايات جدو نعيم’ كان مقررا له أن يظهر قبل سنتين، لكن الإنتاج توقف بسبب الحرب ولدي العديد من القصص والمسرحيات الموجهة للأطفال والنشء آمل في أن تأتي الفرصة المناسبة لترى النور”.

يعتبر طلال أن المسرح هو الرئة التي يستطيع من خلالها أي كاتب تقديم إبداعاته المختلفة، ويتحدث عن الصعوبات التي أفشلت محاولات إحياء المسرح اليمني الذي يزيد عمره عن المئة عام، ويقول عن ذلك “رغم كل الانتكاسات التي كنا نواجهها، إلا أنه كان هناك نشاط مسرحي ملحوظ من حين لآخر لكن الأحزاب الدينية بشكل عام تكره المسرح، وتعتبره مكانا موبوءا لنشر المفاسد ولهذا فقد اتفقت على إجهاض قيام أي نشاط مسرحي حقيقي. المسرح أداة حقيقية لممارسة الشعب لحقه في الحرية، فهناك تسقط كل التابوهات ولا توجد قداسة لأحد من الأشخاص والكل عرضة للنقد اللاذع، فالمسرح يخرج أجيالا مثقفة ومتنورة ومتمردة على واقعها الاجتماعي ورغم أن المسرح مقفل منذ عامين إلا للأعمال المؤيدة للميليشيات المذهبية والسلالية، إلا أنني متفائل بالمستقبل، فهناك كتاب وفنانون يقاومون بإصرار وعناد لتفعيل الحياة المسرحية”.

المسرح أداة حقيقية لممارسة الشعب حقه في الحرية

ويتابع ضيفنا “خلال الحرب وما رافقها من أزمات اقتصادية وانعدام أغلب الخدمات الضرورية كالكهرباء والمشتقات النفطية، أنتجت عدة نصوص مسرحية حول الوضع الذي نعيشه مثل مسرحية ‘استراحة المقاتلين’ التي تشرح أسباب ما وصلنا إليه من صراع شرس على السلطة تشرد بسببه الشعب ليعيش في خوف وفزع من حكامه الذين مارسوا كل أنواع الجبروت والاضطهاد ضده، وكتبت مسرحية ‘دعاء المغني’ التي تفضح حقيقة الفكر التقليدي المتخلف والجامد ومحاربته لكل أنواع الفنون والآداب وممارسة أرباب هذا الفكر لكل أنواع الكذب والتدليس مستغلين مسوح الرهبنة والقداسة التي يضعونها حول أنفسهم للتغرير بالآخرين، كما قدمت مسرحية ‘مونودراما’ من تأليفي وإخراجي على خشبة المسرح بعنوان ‘مكافاة نهاية خدمة’ قبل دخول الميليشيات إلى صنعاء أحذر فيها ممّا يجري على الساحة الوطنية”.

 

التاريخ والحاضر

إضافة إلى تجربته المسرحية فقد أصدر منير طلال عددا من الروايات التاريخية، كما أنجز عددا آخر من الروايات التي مازالت مخطوطة، فللكاتب ثلاث روايات مخطوطة لم تر النور نذكر منها رواية “الزهراء السقطرية” وتحكي قصة استنجاد أهالي جزيرة سقطرى بإخوانهم العمانيين طلبا لنجدتهم عندما قام قراصنة مسيحيون بالاستيلاء على الجزيرة وقتلوا كل من وقف أمامهم وقاومهم، ثم تم سبي النساء والأطفال وبيعهم كعبيد.

كتب منير طلال الرواية التاريخية معتبرا ذلك تحت شعار “من لم يع التاريخ في صدره.. لم يدر حلو العيش من مره”. وفي سياق رده على سؤال حول سر انجذابه الواضح للتاريخ في أعماله الأدبية وخصوصا الروائية، يقول طلال “من خلال التاريخ نستطيع أن نرسم ملامح الحاضر والمستقبل، فالتاريخ هو الوعاء الذي يحافظ على هويتنا الوطنية والقومية وعلينا أن ننهل منه ما يدعم تماسك أمتنا للخروج من مآزقنا الحالية، وعلينا ألا نجلب من التاريخ الصراعات التي من شأنها أن تمزق أمتنا في الحاضر وإنما نجلب منه ما يفيدنا في العيش بأمن وسلام وتناغم مع كل شعوب وأمم العالم، وليكون لنا دور في الحضارة الإنسانية وحتى لا نكون عبئا على هذه الحضارة كمستهلكين فقط كما هو حالنا اليوم”.

فضح لحقيقة الفكر التقليدي المتخلف

وحول واقع المشهد الثقافي اليمني في ظل سيطرة الميليشيات يختتم القاص والروائي اليمني منير طلال حديثه مسلطا الضوء على واقع المثقف اليمني ومما يعانيه تحت سلطة الحوثيين وسطوة الحرب قائلا “بعد توقف الصحف والمجلات الأدبية والسياسية اقتصر الأمر على صحيفتين أو ثلاث فقط، لا تنشر سوى أفكار وتوجهات الميليشيات المذهبـية وأفكار سيدها الغارق في أوهام التفوق الـعرقي والسلالي، إلا أن الأدب اليمني لا يزال نـشطا رغم رزوحه تحت وطأة الحرب الشرسة التي تكاد تمتد إلى كافة أجزاء اليمن، فوسائل التواصل الاجتماعي المختلفة جعلت المبدعين يضخون أشجانهم وهمومهم في كل القضايا التي يرزحون تحت كاهلها”.

يتابع ضيفنا “المئات من القصائد والقصص خرجت إلى النور وأصبحت متداولة تحكي واقع اليمنيين تحت حكم الميليشيات المذهبية والسلالية وقد استطاع العديد من الأدباء فضح أهدافهم وتوجهاتهم المعادية لروح العصر وللهوية الوطنية والقومية، وقد تكون مشكلة الأدب اليمني هي انعدام وجود جهة تطبع أعمال الأدباء وتحتضن إبداعاتهم وتدافع عنهم بعد أن سلبت الميليشيات كل مؤسسات الدولة الثقافية”.

صالح البيضاني

من sanaanow