نداء الذاكرة

 

ليلٌ وصوت لعواء كلاب ضالة، المطر يتساقط بشدة والبرق يلمع في قلب السماء وكأنه يعلن ثورة المطر على الأرض.
“أحمد ” يراقبُ ذلك المشهد من نافذةِ غرفته وهو يضع كفيهِ على زجاج النافذة ويقترب..ينظرُ أسفل منه فلا يرى سوى السيول التي قد حاصرت المنزل من كل اتجاه.
يكلم نفسه :
“ياالله المطر لا يرحم
المطر لا يرحم..”
يفركُ عينيه اللتانِ لم يزرهما النوم منذ ليلتين قد مضتا بوهج نضارته، يتنفس مراراً عسى قلبه يعيد ترتيبَ نبضه الذي بات متسارعاً.
ببطء يبتعد عن النافذة، يتنفسُ بعمق وهو يرمق سريره الذي ينتظره، يرمقه بصمت وهو يقف في منتصف غرفته التي لا تتجاوز مساحتها المترين طولاً والمتر والنصف عرضاً..
في الجهة اليمني من غرفته تقبع هناك خزانته التي لا يتجاوز عدد أدراجها الأربعة أدراج، وهي ممتلئة بملابسه القديمة والجديدة، والتي جعلت الخزانة بالكاد تتسع لكل تلك الملابس المختلفة .

“أحمد” لا يستغني عن أي قطعة من قطع ملابسه القديمة، وكلما اشترى شيئاً جديداً يضع القديم في كيس بلاستيكي، ثم يتركه في خزانته التي باتت على وشك السقوط..يخرجها كل فترة من تلك الأكياس، ويعيد غسلها وترتيبها ويرش عليها من عطره المفضل
الذي أهداه إياه “قيس” رفيقه في الجامعة .
يحتفظ “أحمد” بكل شيء من ملابس وعلب سجائر وأوراق وهواتف خيليوية، حتى الأرقام التي تخص هواتف “قيس”
كان يدونها ويجعلها في أوراق يضعها في درج من تلك الأدراج الممتلئة بالذكريات ..

تلك الليلة الماطرة طالت أكثر مما ينبغي، وصوت الرعد يدوي في الأفق ويرسم ملامحه في المدى
وتلك الرياح الباردة تجلد نافذة غرفته بلا هوادة.
ينهضُ أحمد من على سريره، ويتجه صوب النافذة ليراقب وجه السماء وغضب المطر من جديد،
يقتربُ من تلك النافذة مرة أخرى، ينظرُ باتجاه الغيوم السوداء والتي تظهر كلما لمع البرق لثوانٍ فقط.
يضعُ كفيه على أذنيه، ويتنفسُ بسرعة ودقات قلبه تتسارع وعيناه مغمضتان، يتذكر قيس حين كان يقول له:
“أحمد لن يفرقنا
أي شيء
حتى الموت ..
الطائرات ياأحمد
مثل الطيور الجارحة
ولكنها تقتل..”

يفتح عينيه لبرهة ثم يعيد إغلاقها مجدداً والرعد يصدر أصواتاً متلاحقة، وهو يتنفسُ بشده
والمطر يجلد نافذته بغضب:
يتذكر ذلك الانفجار الذي جعل من قيس أشلاءاً مبعثرة !!.

مسيرة سنان

من sanaanow