هروب..

نفرتْ قدماي إليها جرياً، فأستقبلتني برودة مكثفة برائحة مطهر وأدوية زادت من خوفي، مع صراخ وبقع حمراء يشعراني باندلاع حربٍ ما، لكن ضغط الألم أرغمني الإلقاء بنفسي على مقاعد الانتظار. في أحد الزوايا طفل يصرخ من الألم و الدماء تنزف من فمه بشدة، أخذ الطبيب ضرسه بلامبالاة ورماه في سلة النفايات. بجوار النافذة تجلس امرأة مسنة هي الأخرى خلعت ضرسها والدماء لم تتوقف منه بعد.. أحسست بيد إمرأة بجانبي تمسك يدي اليسرى وهي تقرأ تعابير وجهي، وباطمئنان: “لاتخافي..إنه طبيب متمكن!” ابتلعت ريقي ولم أتفوه بكلمه.. أردفت وهي تفتح فمها: “انظري لأسناني..” شعرتُ بإحراج كبير وأنا أرد عليها: “أعذري جهلي ولكن يبدو لي أنها مستعارة بالكامل..!!”. تقاطعني:”وهنا تكمن مهارة الطبيب عندما ينجز عملا كاملاً بدلاً من الذهاب والعودة بين الحين والأخر، هكذا يسمح لآلام أسناننا أن تخمد للأبد”. لم أنبس ببنت شفاه، تاهت مني الكلمات المناسبه للرد عليها. بينما عن يميني امرأة أخرى تحدثني بأسى: “منذ وطأت قدماي عيادة الاسنان قبل عدة أعوام لم أغادرها إلا وأعود اليها كما لو كانت بيتي الثاني، وكل ما أدخره من مال يخرج هنا..”. قاطعني عن سماع بقية حديثها صوتٌ ينادي باسمي.. انكمشت أكثر في مقعدي..أشعر بأن قدميَّ غير قادرتين على حملي…لكني تحاملت على نفسي وأقتربت نحوه..رمق اسناني بنظرة سريعه وقال: “يبدو انك بحاجة لعمل كبير..” اعترضته بخوف: “لكنه مجرد ألم في اللثه!!”.نظر إلي شزرا: “أنا الطبيب هنا أم أنت؟!” انعقد لساني عن الرد..ثمة امرأة في الجانب المقابل تنظر نحوي ثم تفوهت بإعياءٍ شديد: “دعيه فهو طبيب ماهر..”. لم تطاوعني قدماي على البقاء، فأطلقت لهما العنان..أطيرُ في الهواء مبتعدة عن هذا المكان.

غادة عبدالله

من sanaanow